العدد 3509
الخميس 24 مايو 2018
banner
بوح الرَّجل “الدِّمِي”
الخميس 24 مايو 2018

كيف يكون الإنسان حيادياً؟ هل يحقّ له ذلك من الأساس؟ هذا الحياد ليس فضيلة أبداً، ولم يكن كذلك، الحياد أن تقف بين موقفين على مسافة واحدة، فلا تميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تخفي مشاعرك، أو لا تكون لديك مشاعر أصلاً من خلاف، أو صراع بين طرفين أو أكثر من الأطراف، فتكون محايداً.

هذا الذي فهمه بعض الأصدقاء من مواقفي تجاه الكثير من القضايا، خصوصاً التي تحدث على الساحة المحلية، وهذا الفهم لم يقتصر على من يعرف كاتب هذا المقال من جهة دون أخرى، ولكن يبدو أنه آتٍ من الجهتين معاً، حتى وصفني أحد الأصدقاء، من دون أن أدري منه مباشرة بأنني “دِمي”، وهو اللون البني بلهجتنا المحلية، ربما لأن لون الدم في بعض مراحله يكون هكذا غامقاً ضارباً إلى البني، أو لأنه يستحيل إلى هذا اللون لمّا يتعرّض إلى الأكسجين ويتجلّط، ولكنه في النهاية لون غير واضح المعالم، ليس صريحاً، ليس من الألوان الأساسية التي لا يداخلها لون آخر، لون يصلح لكل شيء، ولا شيء، لونٌ لا يصلح أن يكون من ضمن مكوّنات راية بلد، فلا أحد يفدّي اللون البني، أو “الدِّمي”، الناس ترغب في الألوان الواضحة الصحيحة الصريحة، لكي تعبّر عنها، ولكن هذا الغامض المحايد، لا يقول شيئاً ولا يعبّر عن شيء.

في الحقيقة، لم أضع هذا المقال لأتحدّث عن شخصي، ففي صراعات واضحة المنشأ، كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا يمكن لأي إنسان أن يقبل أساس الموضوع حتى يمكنه بالتالي توزيع اللائمة بالقسطاس على الطرفين، فهذا هو الباطل المبني على الباطل.

هناك توجّه يرفض الاصطفاف الديني أو الطائفي، وليراجع من أراد أن يراجع أيّ موقف سياسي لم يتدخل فيه بشكل أو بآخر... بين الحيادية والموضوعية بونٌ ليس شاسعا، ولكنه أوضح من أن يخفى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية