العدد 3397
الخميس 01 فبراير 2018
banner
يسألونك عن المستقبل
الخميس 01 فبراير 2018

تحت عنوان “الأسئلة الثقيلة”، كتبت في هذه الزاوية مقالاً بتاريخ 5 مايو 2016، أتحدث فيه عن التلويح، الذي يقترب من التهديد، بحرمان الموظفين المؤمَّن عليهم من مكافأة نهاية الخدمة، وهو خبر لم يتعدّ كونه إشاعة، ولكن يا لها من إشاعة، فلقد جعلت طائفة من الموظفين الذين “يحسبونها” بشكل رياضي معقّد، يغادرون أعمالهم وهم في أوج عطائهم وقدراتهم، وتشكلت لديهم الخبرة العملية، ولكنهم فضّلوا الفوز بالمكافأة وبدء الحياة العملية مجدداً بأشكال أخرى، وفي أماكن أخرى بعد أن خرجوا بما يمكنهم الخروج به، بدلاً من أن يقطر لهم في رواتبهم التقاعدية حبّة حبّة.

إن هذه الإشاعة لم تكن أكثر من حيلة لخفض عدد موظفي القطاع العام أساساً، الذين ساد بينهم، كما ساد بين أقرانهم من موظفي القطاع الخاص، الهرج والمرج على مستقبلهم ومستقبل من يعولونهم، وكان للإشاعة ومطلقوها ما أرادوا. أتى ذلك في توجّه أن سقف الوظائف يتغيّر بالاستقالة، حيث ينخفض السقف كلما استقال شخص من العمل، أو ربما من الحياة، وعلى الموظفين الآخرين تحمّل عبء العمل وتقاسمه، كل هذا وسط تضييق كبير في التوظيف في القطاع العام، للأسباب الاقتصادية المعروفة.

وإذا ما أراد موظف أن يستقيل وينفذ بجلده قبل أن يجلده القانون الجديد المزمع دكّ الموظفين به، قيل له أن يأتي بتقرير طبّي يشير إلى عدم قدرته على مواصلة العمل، أي أن الموظف كالسمكة التي تدخل “القرقور” باختيارها، ولكن ليس باختيارها أن تخرج متى ما أرادت... وعند التقارير الطبية هاكم ما سيجري من تحايل وتلاعب ليس يشبهه إلا ما يجري يومياً بالنسبة للتغيّب عن العمل بحجة المرض، فهناك من يريد للموظف أن يخرج عاضّاً ذيله بأسنانه، وهناك من يريد له أن يبقى حتى آخر قطرة زيت فيه.

هناك دعوات تقول بأهمية الابتكار وما تفعله المشاريع الفردية، وإسهام المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني في دول كثيرة، ودور روّاد الأعمال في خلق الوظائف الجديدة، وتوظيف أناس فيها، وهذا يسحب العبء من فوق كاهل الحكومة، وهناك من يقول سدّوا الفُرج لئلا يتسلل الموظف الحكومي ليأخذ مكافأته ويبدأ المشروع الصغير الذي يصبّ في نهاية المطاف في الاقتصاد.

يا جماعة الخير، لقد اعتدنا أسلوب الإشاعة التي تنزل كالصاعقة على الخلق، فتشلّ تفكيرهم للوهلة الأولى، ويبدأون في الغضب والألم منها، ثم يحوّلونها إلى مواد للتنكيت والتبكيت، مما يهوّن حشر القوانين والأنظمة في أفواههم، بعد أن يظهر من المسؤولين من ينفي أي إجراء لا يصبّ في مصلحة المواطن، ثم يكتشف المواطن أن الإجراء نفسه تم تطبيقه عليه بما يصبّ عرقه ودمه، ولكن بعد أن أخذ الصدمة الأولى... حسن، ولكن أرجوكم ضبّطوا الإشاعات في المرات المقبلة حتى تقود إلى نتيجة واحدة، وليست متناقضة كالتي نحن فيها اليوم، فلا يدري الموظف أيّ باب يفتحه ليرى مستقبله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .