العدد 3145
الخميس 25 مايو 2017
banner
المقعد الوثير والإرهاب الخطير
الخميس 25 مايو 2017

خبران أخذا مساحة لا بأس بها من الصفحات المحلية في صحافتنا اليومية يوم الثلاثاء الماضي، أحدهما “منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب”، والثاني: ختام فعاليات الملتقى الإعلامي الأول الذي نظمته الجامعة الخليجية، والفعاليتان ركزتا على الإرهاب كمحور أساسي، ومصب للتوصيات، ودعتا للتصدي للإرهاب وخطاباته، وتسخير كل الطاقات لصدّه حتى لا يتسرب إلى المجتمعات ويتغلغل فيها.

هذا التركيز الآخذ في التنامي يتناسب طردياً مع الأرقام والإحصاءات التي خرجت بها في العام الماضي دراسة أجريت في جامعة ميرلاند الأميركية، والمشيرة إلى أنه ما بين العامين 2002 و2016 وقع أكثر من 4900 اعتداء إرهابي راح ضحيته 33 ألف قتيل، هذا من دون الحديث عن إرهاب الجيوش العسكرية التي تستخدم البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية المحرمة، والقنابل الفوسفورية، واليورانيوم المنضب، والقنابل العنقودية للفتك بهذا الكائن الطري الهش المسمى إنساناً، ففي هذه السنوات الضحايا بمئات الآلاف كما هو الحال في مناطق القتال المختلفة، خصوصاً في البلاد العربية المبتلاة بإرهاب الفوضى. إلا أن هذا التزايد في العمليات الإرهابية، كمّاً ونوعاً، واستدراجه الشخوص، الشباب منهم ومن قد تخطّوا الشباب؛ بات من الأمور المقلقة حقاً، لأنه يقود إلى أن يشك المرء ويخشى كل من يجلس بجانبه، أو يمر من أمامه، أو يقف وراءه في طابور، بأنه إرهابي واقع، أو إرهابي محتمل.

في هذا الإطار رحت أقرأ كمّاً من الدراسات العلمية الأكاديمية، والمقالات الرصينة، أمرّ عليها سريعاً بناظري، قافزاً بالصفحات والمواقع من واحد إلى آخر، ولا أزعم أن البحث شامل، ولكن الملاحظ استرخاء الباحثين العرب – بشكل عام – أمام هذه الظاهرة البالغة الخطورة، والاكتفاء بتوصيفها توصيفاً شكلياً، وظاهرياً، ونظرياً/مكتبياً، من دون معرفة الخفايا الحقيقية التي تعتمل في نفس من انخرط في هذه الأعمال، وما الذي قاده إليها، وما الذي أقنعه باسترخاص أرواح البشر، وما هي نقطة الانقلاب المشتركة لدى هؤلاء التي تقود إلى هذا النوع من السلوك الباهظ الأثمان؟ وتدخل من هذا الباب أمراض بعض الباحثين المذهبيين الذين يريدون ضرب فرق ومذاهب من تحت الأحزمة، بشيطنة المذاهب المخالفة ولصق كل نقيصة بأسسها الفكرية، ونسبة كل عمل إرهابي إليها. 

فلقد اكتفى المعالجون، في من قرأت، بإطلاق العموميات من التوصيات التي تبدو للقارئ وكأنها نسخت من عدة أماكن، وجُمّعت من جديد وصيغت في “ترشيد الخطاب الديني”، و”التركيز على الوسطية”، و”تطوير المناهج التربوية”، وغيرها من التوصيات غير المستندة إلى العمل الميداني لمواجهة هذا الداء الذي “يخفى وهو يستشري”، فتبقى الكثير من المؤتمرات والندوات وما شئنا من هذه التجمعات، نظيفة الأيدي، ناصعة الأكمام من العمل الميداني البحثي الحقيقي، الرامي لمجالسة هذا النفر من البشر، وسحب السخام المتراكم طبقات في نفسياتهم ومكوناتهم الفكرية بما يسمم المشهد بأكمله في أعينهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .