العدد 3129
الثلاثاء 09 مايو 2017
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
مسلم البراك وإعادة تدوير التقليعة
الثلاثاء 09 مايو 2017

منذ أمد وأنا أتابع خطابات المعارض مسلم البراك وأراها لا تختلف عن أطروحات الحركات التي انطلقت في العالم العربي ولم تقد إلا إلى الفوضى والضياع.

البراك الذي تحدى الحكم، وراح يردد قبل سنين خطابا موجها لأمير البلاد الحكيم، صباح الأحمد الجابر الصباح عاهل البلاد بقوله “لن نسمح لك” وراح يردد ذات الشعارات “أنا مع الحق” و “الكويت ضاعت ولن انهزم الخ وأنا مع الشيعي والسني والبدو والحضر الخ” هذه الشعارات تكررت في كل الدول العربية المنكوبة، والتي تعاني اليوم من التمزق، وغياب الأمن، وبكاء مواطنيها على الأيام الجميلة ما قبل “الربيع العربي”، أغلب من وقفوا مع خطابات البراك شاركوا في الانتخابات لاحقا، وهو في السجن؛ لوصولهم إلى قناعة أن التغيير لا يكون بالخطابات الثورية، ومهما كان حجم الأخطاء إلا أن الدولة الكويتية كما هي البحرين، وكل دول الخليج، تمتلك رصيد إنجازات غير متوفرة بأي دولة في العالم.

ففي حديث جانبي مع معظم الأجانب الزائرين لفورمولا البحرين تجدهم مصابين بصدمة التطوير. أدعو الأخ مسلم البراك أن يستفيد من درس الأوجاع والآلام، وحجم الفواتير المدفوعة، وغياب الأمن لدى كل هذه الدول ليحافظ على الكويت، ويعمل بسياسة التروي، والعقل، وسياسة الخطوة خطوة.

فالكويت بجوارها إيران حيث فضيحة منطقة العبدلي، وجارتها للعراق التي احتلتها ذات يوم، والحكم في الكويت بحاكمها الحكيم هي صمام الأمان للكويت. 

يستطيع البراك أن يحد من الفساد، ويوسع الديمقراطية، ويرسخ مزيدا من العدالة والحقوق، وهي حقوق شرعية يكفلها الدستور الكويتي، ولكن بطرق لا تعتمد على تهييج الجماهير، وتحشيد الشباب وشيطنة الدولة، فلو كتب للبراك أن يتقلد أعلى المناصب، فلن تتحول الكويت إلى جنة عدن، وفردوس ديمقراطي بلا أزمات، والدليل أنه بكل تضخم كارزميته لم يستطع منع من كانوا معه من فصائل المعارضة من تشظيهم، ومشاركتهم للانتخابات مجلس الأمة.

وما يكرره اليوم البراك على مسامعنا كررته المعارضة العراقية أثناء ما كانت في صفوف المعارضة، ووعدوا العراقيين بأجمل الأمنيات، وكذلك حدث من إخوان مصر، ومن الثورة الإيرانية، وكذلك من جماعة الحوثي، وإسلامي ليبيا وغيرهم فماذا كانت النتيجة وبالأرقام؟ يكفي وجعا، ويكفينا حزنا، وتشرذما، وآلاما، فنحن الخليجيين رغم الأخطاء التي يجب معالجتها، نحسد من قبل الكثيرين الذين يتهافتون للعيش فيها رغم معرفتهم للسلبيات والإيجابيات.

ومن هؤلاء غربيون يعيشون في بريطانيا والسويد والدنمارك لا أدعو إلى سياسة النعامة، وتلوين الأخطاء، وحرق البخور للنواقص والسلبيات والفساد، ولكن اختلف في الأسلوب، والطريقة التي تنطلق بخطابات هائجة مسمارية، تصنع الخصومة مع الحكم ذي الشرعية التاريخية، وكأن لا إيجابية واحدة، وكأننا في الدولة الصومالية أو في السنغال أو كولومبيا، وأن كل السياسة أشبه بطريقة “ناركوس” الكولومبي.

من يشهد الخطابات يشعر أن هناك وباء انتشر، وكل ما دون جماعة المعارضة عبارة عن “زومبي” سياسي، أو “فامبايرز” إداري، وكأننا نشاهد مسلسل رعب “ووكن ديد” ولسنا بحاجة إلا إلى بطل أسطوري كما هو البطل “ريك غرايمز”.

 يا جماعة، بلداننا بحاجة إلى حرب مشاريع إنمائية لا حروب خطابات. فاحذروا الانسداد التاريخي، ولا تتحرشوا به فنصاب بمكر عقل التاريخ كما هو تعريف الفيلسوف هيجل، فما بين مسلم البراك وبراك مسلم مسافة لا يحل شفرتها إلا الواقعية السياسية المقاتلة لا بتماهي إسقاطي. 

على البراك أن ينظر إلى حجم الكوارث التي وقعت بسبب “الربيع العربي” في اليمن وسوريا ومصر وليبيا وغيرها، وكيف أصبحت ذات الجماهير تتمنى عودة بلدانها إلى ما كانت عليه قبل هذه الثورات الهائجة والتي أنتجت ما يربوا عن 14 مليون لاجئ ومليون قتيل عدا عن 833 مليار دولار! 

ارحموا بلداننا وشبابنا من إعادة إنتاج التقليعة الثورية غير المدروسة، فالسياسة فن الممكن وتكثير الإيجابيات وإزالة السلبيات بالعقل والتروي والمصالحة مع الحكم لا بنسفه والتشكيك فيه فذلك لا يقود إلا إلى الفوضى وتخريب الأوطان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .