العدد 3100
الإثنين 10 أبريل 2017
banner
بوصلة لجهة واحدة... شمالاً شمالاً
الإثنين 10 أبريل 2017

الناظر إلى حجم الحراك الشعبي الذي يجري في ما بين سورية والعراق، يشعر بكل مرارات العالم تتجمع في حلقه، وهو يرى هذا التيه العظيم الذي يمر به العرب مشياً على أقدامهم المعفّرة بغبار، الواطئة أرضاً لم يعهدوها هكذا مختالة ورخوة لا يعرفون فيها أين تقف بهم أقدامهم، يطمئنون إلى سماء مدججة بالفولاذ، لا يعرفون متى يمكن أن يكونوا في أعين صبّابات الحمم بشراً يفرّون من خوف إلى رعب، ويلتجئون من الذعر بالهلع، ومتى يراهم اللاعبون أزرار الجحيم على أنهم أهداف توجب محوها وفرقعتها كما هي ألعاب الفيديو التي نشأ عليها جيل طياري اليوم، وعندما لم نعد نرى حجم الرعب المتبادل والرغبة العميقة في الحياة والوجود، في أعين الأعداء، ولا يرونها بالمثل في أعيننا، منذ أن أضحى التراشق بديلاً عن طعاننا والتحامنا وحتى سماع آهات بعضنا عندما نصاب وتصعد الروح إلى الحلقوم، مذ ذاك فقدت الحروب معانيها ونبلها، وبات الناس أرقاماً لا أرواحاً ومُهجاً وطموحات وأحلاماً وحيوات تريد الامتداد والعيش بسكون وبأقل المطامح اللازمة لتدور الحياة دورتها ليروا صغارهم يدرجون، ويخطئون، وينحرفون عن جادّة الصواب أحياناً. ما عادت هذه البلاد تحتمل هذه الدورات لا من داخلها المنهوب ولا خارجها المغلوب، استدرجت رائحة الخوف في الضحية شره الآكلين، دعتهم العواصم إلى وليمة تتقاسم فيها أعضاءها مع أعدائها بزعم أن جسد الأمة إذا ما تخلّى عن بعضٍ من أعضائه استطاع أن يواصل عيشه وحياته، الشيطان والوحش لا يبقيان ما يستمرّ معه العيش، نتفهّم الاغتصاب باستسلام منهَك بعد عدم قدرة على قوة غاشمة، كيف نفهم من يمهّد لوطئه ويبرر ويسوّغ، ويباهي، سمعنا بأنصاف الحلول، ولكن ليس ما يمكن تسميته ببعض العار أو نصفه، ما قصّرت أنظمة البلاغات الكلامية، والبلّاعات الوطنية من صفّ حوائط الكلمات والعبارات التي ظنّت الشعوب أنها ستكون حائلاً بينهم وبين ما التمع من عيون تحت شمس الظهيرة وهي تتحسس ثغرات جدران ما يسمى وطناً، وما من ثغرة اتسعت أكبر من دأبهم على غمس رؤوس شعوبهم في براميل قطران المذلة، وتلذذهم برؤية أكبر قطاع من الناس يتعرّون من كرامتهم قطعة قطعة بفنٍّ لا نظير له، ينتعشون بزحف البشر طالبين أن يُنعم عليهم بقيود العبودية ووسمها الدامغ، وإذ يُختصر الوطن في الفرد، فليشبع به وحده. الملايين تتشرد والفرد باق، الملايين في عرض البحر تغرق، وصحاري البراري تتهاوى وتتساقط، والفرد باق، إلى الشمال يحبون ويتهاوون، لا غير الشمال إليه يتجهون، يفتشون عن شرانق جديدة منها يبدأ التكوين من جديد بعد ما ملأ السخام أنفسهم، وأنفاسهم لا تتخلص من روائح الموت واختلاج الأرواح مرات تحت وطأة البوليس السري، ومرات تحت قصف ذوي القربي الأشد مضاضة. حواضر أسماؤها ترنّ نراها اليوم في وضع من البؤس والذل والهذيان... وتتسع الدائرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية