العدد 3089
الخميس 30 مارس 2017
banner
على قدر أهل اللحم
الخميس 30 مارس 2017

وأيضاً “لكل زمان دولة ونساء”، فما إن نقلّب صور الزمان الذي مضى حتى نلاحظ مقدار ما تغير في شكل المرأة بصفة عامة، وبسرعة أكبر وأكثر عمقاً من تغير شكل الرجل بطبيعة الحال، في الملبس والتسريحات والماكياج والاكسسوارات، بينما تتغير أمور الرجال بشكل “تعديل” على الموجود في الغالب، فيما تمر المرأة ومتعلقاتها بالكثير من “الثورات” التي تشعرك حقاً بتغير الزمان وأهله.

ما إن ننظر إلى صور المرأة العربية المدينية في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين؛ حتى ننظر – على اختلاف مشاربنا وانتماءاتنا – إلى كمّ الأناقة الذي كانت عليه المرأة في تلك الفترة، وصولاً لنهايات السبعينات، حيث بدأ إرهاقٌ اجتماعي جماعيٌّ على محيّا الجميع، رجالاً ونساءً. وسيكون من التسطيح القول إن هذا بسبب “الثورة الإيرانية” و”الصحوة”، و”التدين”، وحدهم أو نتيجة لهم، بل هي عوامل أتت ضمن سياقات عامة من الهزائم والانكسارات الفكرية والفلسفية، والأحلام التي لاكتها الشعوب طيلة عقود حتى وصلت إلى تلك الفترة التي فقدت الأفكار الكبرى (عربياً وعالميا) رونقها وزهوتها. إنه إرهاق طال جميع مكونات الحياة، وانفرط ما كان يربط المجتمعات العربية خصوصاً، وبدأت تزحف – بالتوازي – قيمٌ أخرى غير نبيلة، انحطّت فيها الطبقات الراقية في الكثير من المجتمعات، وعلت مكانها طبقات أخرى كانت في أذيال الترتيب الاجتماعي، حاملة معها مفرداتها، وقيمها، وذوقها الفني في الملبس والمسكن. تقدم العلم كثيراً، ونهلنا منه الكثير أيضاً، ولكنه أبداً لم يتغلغل في يومياتنا إلا بأقل الأقدار، بقدر ما تحتاجه وظائفنا التي بها نعتاش، لا من أجل حياتنا التي نعيش.

اليوم عندما ننظر إلى ما انكشف بالأمس من أجساد النساء، وما استتر الآن بالكثير من القماش، والوقوف عند فترات المبالغة في الانكماش، مع الوصول في الارتعاب من أن يتماسّ إصبعا الطرفين في عمليات تسلم واستلام يومية، فيهرع الطرفان أحياناً إلى الاستغفار والتحرج الشديد؛ عندها يُنظر إلى هذا على أنه “أين كنا وأين أصبحنا؟”، وتبدأ سلسلة الذكريات لمن عايشوا هذه الفترات، واستحلاب الشجن والحنين إلى الماضي.

في غمرة هذا، غالباً ما يجري ربط الأمس بالتقدم والتطور والتحضر، واليوم بالتخلف والتراجع والظلامية، استناداً إلى المظهر العام للمرأة خصوصاً، و”يا سلام” على التقدم عندما كانت “التنورة” فوق الركبة، ويا له من وضع بائس اليوم في ظل “القفازات والبرقع” وما دار حولهما من أدوات الستر وسوادها. 

المؤسف أن هذه المقارنة غالباً ما تُجري عملية تناسب عكسية بين كميات ما ترتديه المرأة من ملابس مع نوعية تفكيرها، وعزل جميع العوامل الأخرى المؤثرة. المؤلم حقاً أن جمعاً من مثقفينا (من الجنسين) استسلموا لهذه المعادلة الرياضية التي باتت وكأنها من المسلّمات التي لا شِيَة فيها، ولا حتى رغبة لإعادة التفكير وفحص هذه الفرضية، فالتخلف كان كما هو ولا يزال، فيما تقدمت أمم أخرى، ونحن بين من “يُشخط شويّة.. ويهدّي شوية”!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية