العدد 3076
الجمعة 17 مارس 2017
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
ابتلاع شفرة الحلاقة
الجمعة 17 مارس 2017

 

ما بين العبث والتحرش بالهمس الخفي المتشظي الخجول المنبعث من قيادات في الصفوف الثانية لقيادات جمعية الوفاق مسافة يجب حساب مقدارها. 

من خلال البحث بين الأوراق الصوتية لهم، تجد أصواتا وفاقية تتلمس البحث عن عودة أكسجين العلاقة مع السلطة، والوقوف كثيرا على الباب السياسي للحكومة لاصطياد أي ساعي بريد يزف خبر دعوة حكومية للتصالح، يزيل ثاني أكسيد كربون القطيعة.

يحدث ذلك بعد انتشار مفاهيم الأغنية العراقية “العمر راح يولي العمر راح.. قضيته هموم وجراح” بين همس الوجع وخيبة القرارات منذ 2002 إلى 2014.

هناك همس، وهناك تململ، ومراجعة مرتجفة مصابة بفوبيا الإعلان خوف التشهير، كل ذلك لا يجدي ما لم تشتر هذه الجماعات مكبرات الصوت بدلا من مكبرات الصمت. ما فائدة المثقف إذا تحول إلى سمك زينة بدلا من أن يتحول إلى سمك قرش يغويه الطوفان، ويغريه رقص الموج في سبيل الوصول إلى مرفأ النجاة، وحماية كل المرتجفين في سفينة الخصومة والمقاطعة.

المثقف السياسي هو من يقرع أجراسه، ويوزع صفارات التحذير؛ كي لا يتحول الواقع إلى سيارة إسعاف.

أتلقى من قريب وبعيد شهيات سياسية لأفراد ومن خاصرة وكتف الجمعية، أدركت حجم الأخطاء السياسية التي أغوت الحركات الإسلامية لـ “الربيع العربي” الذي تحول إلى حفرة اصطياد، وفخ إقليمي ودولي، قدري أو محتسب في صناعة الجراح، وتقيؤ شهيات دول إقليمية وعالمية على حساب مستقبل ملايين الأفراد، ضحايا نذروا للعذاب، وأصبحوا قرابين البرغماتية المفتونة بلمعان كرسي السلطة. 

لا يكفي أن تصرخ من الجرح ما لم تشتغل على ردمه والتبري من السكين. 

لا يكفي أن تهمس، وأنت تمتلك حنجرة الصراخ، هذا النزف السياسي يتوقف عندما تبتلع شفرة حلاقة النقد، وتقوم بتشذيب سيف الشعارات، وإلقاء فزاعة البارانويا إلى البحر.

نصحت المعارضة الكويتية والأردنية كما البحرينية من خطأ خيار مقاطعة مجالسها النيابية عبر عدة مقالات موثقة، كما صرخت هنا منذ 2002، وكان هاجس الكويتيين يرتفع مع تلميع تمثال مسلم البراك، ورومانسية صناعة “البطل الأسطوري” في قبال الحكم الحكيم في الكويت.

لم يسمع أحد الخطاب، وكأني أصرخ في البرية، قامر الكثيرون بحشد خطابي مرتجل، الْيَوْمَ المعارضة الكويتية شاركت بعد أن همشت نفسها، واختارت الشرنقة، والانشطار في زنزانة المقاطعة، ولو عاد الزمن بالبراك لشارك.

مقاطعة التجارب البرلمانية فاشلة، وصناعة الخصومة مع السلطة أكثر فشلا. أما التواصل والعمل وفق الآليات القانونية والدستورية، فهي التي تثمر نجاحًا ولو جاء بطيئا.

قاطع أغلب شيعة العراق الحكم الملكي في العراق عند التأسيس، فاسقطوا أنفسهم ضحية التهميش الذي اختاروه ثمانين عاما. أجيال وراء أجيال ضاعت، ورضعت البؤس والفقر والمهجر؛ بسبب فتاوى خائبة في العشرينات من القرن العشرين.

من عِوَض ذلك الضياع؟ من دفع فاتورة الخصومة مع الحكم ذلك الوقت؟ وماذا نفعهم عبدالكريم قاسم بشعاراته الهائجة والمرتجلة؟ وإلى يومنا هذا، وبسبب غياب النقد والمراجعة للتاريخ مازال بعض العراقيين في النجف وكربلاء وبغداد يحتفون بذكرى عبدالكريم قاسم ويعلقون صوره، في حين هو أساس البؤس والضياع والجراح الذي يعيشه العراقيون إلى هذا الْيَوْمَ عندما أقدم على مذبحة قتل العائلة الهاشمية، والحكم الملكي. 

كان العراقيون في العهد الملكي يعيشون عهدا فيكتوريا من حيث الامتيازات الديمقراطية والقضائية والجامعية والخدمات، لكنهم أضاعوها بسبب ثورتهم الخائبة، وشعارات زعيم جاء مقلدا لعبدالناصر، كما فعل القذافي ذات الأمر. 

السؤال: ماذا لو بقيت العراق تحت الحكم الملكي إلى يومنا هذا؟ فلاشك ستكون من أقوى وأجمل الأنظمة الملكية، الإشكالية أنه ليس ثمة عقل ناقد يقرأ التاريخ بتجرد ووعي وحكمة. 

لهذا أنا من أنصار الأنظمة الملكية في العالم العربي، وليس الجمهوريات التي تنتهي إلى الفوضى ونظام الحزب الواحد، وعسكرة الحكم وتجويع الجماهير، وإطعامهم أخبازا بلاستيكية. 

عندما يذهب البحريني أو الخليجي لزيارة العتبات المقدسة ينام في أفضل الفنادق، في حين ينام غالبية الإيرانيين في الطرقات.

قليل من هذه الصور يعكس مدى نجاح حكم نظامنا الخليجي مقارنة بنظام ولاية الفقيه. الحمد لله على نعمة الحكم في الخليج، وحفظ الله أوطاننا بهذه النعمة، فَلَو نظرنا بعين العقل ما يعيشه جيراننا في إيران والعراق واليمن وليبيا ولبنان وكل الدول العربية، وقسناه بما نعيشه، لعرفنا حجم النعم التي نعيشها.

نعم هناك سلبيات ونعترف بها، ويمكننا إصلاحها، ولكن بالعقل والوعي الوطني مع المحافظة على المكتسبات. 

أتذكر عندما كنتُ بإيران حضرت عدة مؤتمرات للمعارضة العراقية، والتي كانت تراهن بأنها إذا أسقطت حكم صدام، ووصلت للسلطة ستحول العراق إلى جنة عدن، وسيكون العراقي أسعد إنسان، وسيجعلون العراقي أسعد من المواطن السويدي والدنماركي.

كنت أضحك من هذا الخطاب الأفلاطوني الحالم، وصلتْ المعارضة من حزب الدعوة إلى المجلس الأعلى، ونرجسية فيلق بدر، وشهدتُ بعض أصدقائي تحولوا إلى رؤساء ووزراء، فكانت نتيجة ذلك ترحم العراقي على الماضي، فلم يشهد العراقي فسادا وقتلا وقمعا للحريات وضياعا للأمن وانقساما داخل المكون الواحد كما حدث بتقلد معارضي الأمس حكم الْيَوْمَ. فلندق الأجراس؛ كي نحفظ ما تبقى من صبابة في الإناء السياسي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية