العدد 3046
الأربعاء 15 فبراير 2017
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
“الربيع العربي” بلغة الأرقام
الأربعاء 15 فبراير 2017

 

 قبل 13 عامًا دخلت الكنيسة الإنجيلية في المنامة، وكانت عيني على المستقبل، حيث كنت أنسج ثوب التسامح والاعتراف بالآخر، ولَم أكن مسكونًا بأي مخدرات دينية تمنع يقظتي من مد جسور مع الآخر المختلف دينيًّا، وكنت دائمًا أحذر من تحريك ألغام التاريخ الطائفية من أن تلقى على حدائق الأديان، فضلاً من أن تحول إلى نعوش ينام بداخلها أصحاب المذهب الواحد.

لم أكن أعبأ “بالمولينكس” السياسي، وكؤوس “الكوكتيل” المختلط بالسياسة والدين والمصالح، لأني باكرًا فهمت لعبة خلط الدين بالسياسة، كما كان صراع العروش بين ممالك الدول الغربية في القرون الوسطى، واستخدام الدين لتبرير رقصة السكين على نحور الجماهير. 

التاريخ قاسٍ، وتكمن قسوته في تحويله إلى حشو بندقية تقذف الرصاص الديني والسياسي لتمزيق العلائق بين البشر، لينام المال، وتنتعش السلطة “التوتاليتارية” أو الثيوقراطية على توابيت الفقراء، لتتعملق المصالح، والثروات، ويتدفق الدم الأزرق في عروق “النبلاء” والطبقات الناعمة.

أقول، بلا وعي ديني، ووضع فلتر لكل الخرافات الدينية من كل الأديان، والمذاهب لن تكون هناك عودة للحضارة مهما أخذتنا صرخات التكنولوجيا، واستهوتنا برامجها المشتهاة، فحتى الحضارة تتحول إلى عبء ولعنة إذا كانت متطورة والعقل ينز طحالب ووحلاً، ومياه آسنة.

أثبتت تجربة الدول الملتحية، والمليشيات المنبثقة من انهيار الأنظمة بعد ثورات الدم والموت في العالم العربي، أن التغيير يبدأ من الفكر والثقافة، ونظرتنا للحياة تتغير من التفكير المنير لا التفكير المنبثق من الزنزانات الأيديولوجية، كما يقول الماغوط نحن لا ننشغل بالعالم، فالعالم ينشغل بِنَا. 

ما الذي يجعل شابًّا تستقبله كبريات العواصم كلاجئ يلجأ إلى تشويه الحضارة بدعس أبرياء أو تفجير متجر أو قطع رأس قس.

التغيير يبدأ بتغيير تفكير هذا الشاب الذي يرى دينه فوق الوطن، وعلم حزبه فوق علم الأرض التي أنجبته، وأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ويرى كل فلاسفة العالم مجرد خردة وهم الذين بفكرهم حولوا أوربا إلى حضارة الإنسان بدلاً من سيطرة البهيمية وعبادة الفرد وإلغاء حريات الإنسان الشخصية.

لسنا بحاجة إلى تغيير شوارع المدن، وبناء العمارات بقدر ما نحن بحاجة إلى تطوير وتبليط شوارع عقل الشاب العربي، وبناء عمارات الأفكار في عقله. 

مدن تسقط تباعًا كالدينمو، والجغرافيا القاسية تجرح بخنجر شهوة الامتداد والتوسّع ودول همّها صناعة النفوذ ولو بتبليط من جثث الأبرياء من زهور شباب العالم الإسلامي بمسميات مذببة ومختلطة بتضخم الأنا، وانتفاخ النرجسية المخيفة.

اختلط الديني بالماركسي بالشيوعي لأجل الحصول على كعكة السياسة ولو بخميرة جسد الإنسان، فصل الدين عن السياسة مبدأ أثبت صحته، ونحن نشهد سقوط العراق في عفن الفساد وكارثية جوعى المال، وتحول العراق واليمن وليبيا ولبنان إلى دول تمتهن فن الاحتراق مع غياب الدولة الشرعية، وتعملق دخلاء على الدولة والإدارة. أوجاع تضخمت بتفجر “الربيع العربي” فلغة الأرقام تشير إلى أن خسائرنا من البعير العربي كارثية, إذ تقدر بـ 833.7 مليار دولار أميركي، وأكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح بسبب الحروب و”العمليات الإرهابية”.

وتسبب “الربيع العربي”، وفق التقارير، بتشريد أكثر من 14.389 مليون لاجئ، أما تكلفة اللاجئين فبلغت 48.7 مليار دولار، هذا عدا عن تضخم عدد المعاقين والأرامل واليتامى.

الإصلاح يبدأ بثورة ثقافية يقودها فلاسفة لا خطباء، فنحن بحاجة إلى فولتير وجان جاك روسو وديكارت ونيتشه لا إلى رجال دين سياسيين، بل إلى فصل الدين عن السياسة، ليبقى للدين مذاقه وللدولة نكهة قوتها وللجماهير وجبات حقوقها بالعقل والحوار والفكر المستنير كي تكتمل الوليمة المتبلة بالحضارة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية