العدد 3005
الخميس 05 يناير 2017
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
حكم الأمير... الأمير الحكيم
الخميس 05 يناير 2017

أيها الأمير كل البحرين تودعك باقة وردها دعاء الحب والحياة، أنت تراكم عبقريات منسجمة الإيقاع على أوتار قيثارة حكومة موسيقى الفن.

كانت البحرين لوحة (الموناليزا)، وكنت أنت (دافينشيها)، تملك شفرة ابتسامتها، وتعرف على أي بوابة مدينة فاضلة تعلق.

وزعت الضياء، وتلاعبت بالضوء كجوزف تورنير، فإذا كان الهولندي فان غوغ يفخر بلوحته (دوار الشمس) فأنت جعلت من البحرين كلها لوحة شمس.

كنت سيد الخلافة والخليفة، يتكئ عليك وطن، وينام على ذراعك تاريخ، غفت سنون، وهامت، وأنت كما أنت، مبتسما أمام إعصار زمن، وثابتا أمام غدر جار.

روضت حرائق، وأطفأت توحش نظريات مراهقة، فلم تعبأ بهيام ماركس ولينين، ولم تستهوك (نظرية الخلافة) للمودودي، ولا (أمة الإخوان)، ولا (حكم ثيوقراطي) كإيران. كان همك أن تبني البحرين ليبرالية الجمال مع تتبيل ديني معتدل بطقوس وبهارات الاعتدال، مع هرولة وشاح عرس مدني حداثوي.

حولت طعنات الحركات “الثورجية” إلى حدائق، والدم المسال على عتبة الوطن دما أخضر، ومنذ تقلدك كرسيك الجميل، وأنت تشهد كيف تسقط عروش، وتدفن أنظمة، وتزرع مقابر. 

شهدت رحيل الملك فاروق مصر ولَم تستهوك ثورة ضباط أحرار، وكنت تبني البحرين من أي اختراق ناصري لا ينسجم مع جسد بلادك، ثم شهدت مذبحة الملكية، وقتل الملك الشاب فيصل بالعراق، وخروج عبدالكريم قاسم برومانسيته الثورية، وكان دورك سد ثغرات هبوب رياح كاذبة قد تعصف بالبحرين، فلم تسمح للبحرين إلا أن تكون بحرينية بمذاقها ولون ثوبها وجمال أظافرها وضفيرتها.

حاول قوميون وشيوعيون على أن يغيروا البحرين على طريقتهم الخاصة، بيد أنك رفضت؛ لأنك مؤمن أن البحرين لا تشبه إلا نفسها. 

كانوا يقذفون نوافذ البحرين بحجارة ثوراتهم، ومراهقتهم المشتعلة حمم شعارات مذببة، وملأوا القلعة حرائق.

كنت تطفئ الحريق ليلا ونهارا تشتغل بمشاريع بناء المدن، وفتح البنوك، ومد الجسور، وزرع أوراق شجر عندها فقط كان يورق الحجر شجرا ووردا وياسمين. وعندما استيقظت البحرين في السبعينات بالديمقراطية الوليدة، رقص بعضهم لخنق البحرين بالشيوعية، ولعبة التكهنات السوفيتية بحرب ليست باردة، والإسلامويون السياسيون بكل توجهاتهم في نومهم العميق متاحف تاريخ.

تحملت جراح التشويه، وراحت يداك يد منشغلة بقطع شرائط فتح المشاريع وأخرى منشغلة بنزع شوك التشويه، قطعت الطريق بنظرية (سد الذرائع) بدلا من لي أذرع، وعرائض ولو أن الحكومة آنذاك قبلت بالتمسح بالديمقراطية المؤدلجة لما تقرر مشروع تنموي حداثوي واحد كما يحدث الآن في مجلس الأمة الكويتي. 

إنها فراسة حكم، وتنبؤ عين حاكم في قَص ريش الانتفاخ بمقص ناعم اسمه الحزم، وأمنت أن الديمقراطية لا تكون بلباس شيوعي أو ثوري يريد إلغاء تحالف الحكم مع أقطاب عالمية. 

كانت عباءتك تلملم كل الشباب الثوري من بعثي وقومي وشيوعي وإسلامي بمنحهم مناصب رسمية، أملا منك في تذويب (الفناتازيا) الهوسية؛ كي يفهموا الفارق بين النظريات الحالمة وسلطة الواقع وقسوة الإدارة؛ لإيمانك أيضا أن المعارضة طريق المناصب. 

وهنا كسبت جولات وتلاشى بخار ورذاذ وضباب، ووزعت الأدوار كما يوزع الموسيقار (الإشارات) على بقية الفرقة كأنك (جوهان باخ)، إلا أن مقطوعاتك إدارية على قيثارة وطن متعددة الأوتار أو كأنك (موزار)، وهو يألف (أوبرا) حول الناي السحري يحمي مالكه الأمير من كل خطر. 

وصبرت متحملا، وأنت تنزع الشوك من ذراعك وناصية الوطن، صامدا كقلعة رومانية تهزأ بالصراخ، أو كمنجم الاحتراق يزيد ذهبه اشتعالا، ورحت تحول الاتهام إلى اقتحام، والسم في الدس إلى جرس وعرس وغرس.

هكذا كنت تراكم عبقريات، هي البحرين تفخر بك كما كانت بريطانيا تفخر بونستون تشرشل، الذي نذر نفسه لبريطانيا رئيس وزراء بناء الحداثة بعد الحرب وحامي التاج، وفرنسا بشارل ديغول، الذي رفض الاحتلال النازي، والولايات المتحدة بالرئيس بروزفلت الذي قادها من الركود الاقتصادي.

أنت كما الأمير أوتوفون بسمارك موحد ألمانيا، أولئك هم وهذا أنت، باني نهضة البحرين الحديثة والسلطة التنفيذية لملك الإصلاح وتاج المملكة حمد الخير قائد المسيرة، في عهده (الفكتوري) الكبير رفاهية عز، ومجد تطلع. 

باكرا شبابك وزعته مدن إشراق، وشعلا على خريطة ديلمونية، ثم ولد المارد الشرقي الإيراني، وأصبح التهديد عاريا وحافيا كخبز حافٍ مسموم.

وكان نهم ثورتهم لبحرين مشتهاة، ومنذ ست وثلاثين عاما والإقليم يشتعل حرائق لم تنته، وأنت أنت تروض النظريات المتكلسة لتضعها في متحف التاريخ السياسي لعبة مسرح تضحك عليها قدر التاريخ. 

أيها الأمير، أمير الهيبة، لشعب يمجد هيبة الأمير، ستبقى حضورا يجدد للبحرين ذاكرتها الماسية بكل سحر حداثوي تليد، بدولة عصفت بها رياح وعواصف، إلا أنها بقيت قلعة صبر تهزأ بلعلعة ريح وغضب لهيب، سلمت، معافى أمير وزراء، لا يعظمون إلا برئيس وزراء أمير. وسقم المرض وأنت المعافى أميرا أمير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .