أبرز ما لفت انتباهي في حديث رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح بجمعية الصحافيين البحرينية مطالبته المواطنين بضرورة “وضع مدونة سلوك استهلاكية وتقليل السلوكيات الخاطئة التي يلجأ إليها المواطن مثل الاقتراض لسبب أو بدون سبب والإسراف في الخدم وشراء السيارات، وأشار إلى أن التنقل بالنقل العام أوفر من الاقتراض لشراء سيارة أو للمظاهر الاجتماعية”.
إن القروض التي تكبل المواطن لسنوات طويلة هي الورقة الأخيرة التي يستطيع أن يعيش بها ولا يوجد في تصوري أي مواطن يقدم على الاقتراض من البنوك ويعيش الحزن العميق والمعاناة بدون سبب، ومن يفعلها من المؤكد أنه مواطن غير متزوج، فهؤلاء “العزابية” مثل أسراب العصافير والحمام ترفرف بأجنحتها في كل مكان، وأيضا هؤلاء يعيشون ظروفا صعبة وربما تدفعهم رياح الحاجة إلى الاقتراض من البنوك خصوصا إذا كان يصرف على والدته أو والده أو إخوانه وتتأرجح يداه هنا وهناك ويجتر حزنه عندما يستلقي على السرير في الليل.
لا أحد يقترض دون سبب، فطالما هناك أفواه تطلب الغذاء والأسرة تنمو كل عام والراتب “محلك سر” فالجميع سيتجه إلى هذا الباب رغم نتائجه الوخيمة، وأنا على يقين أن من يقترضون بدون سبب أعدادهم قليلة جدا ولا يمكن وضعها في التكوين العام للقضية كما ذكرها الصالح. أما مدونة السلوك الاستهلاكية فهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بأصحاب الدخل المحدود منذ بداية التوظيف وتكوين أسرة وبناء مستقبل للأولاد، بمعنى أن هذه المدونة موجودة فعلا في حياتنا سنوات طويلة ونعيش بوسائلها وأساليبها ونخضع لحكمها ونعلم أولادنا كذلك، ولا أدري إن كانت هناك مدونة جديدة ستجعل أوضاعنا أكثر صعوبة من السابق وتخفض من مستوى الحياة وتضاعف من الحرمان والتقشف.
لقد كنت أتساءل منذ لحظة قراءة جملة “ان التنقل بالنقل العام أوفر من الاقتراض لشراء سيارة”، هل من الممكن أن يأخذ المواطن البسيط والمطحون والده المريض أو والدته المريضة إلى المستشفى بالنقل العام في كل مرة، أم يتوكل على الله ويقترض من البنك ويشتري سيارة “على قده” لخدمة أهله وأسرته؟
توجهات عديدة أخذت طريقها نحو التنفيذ ساعية بالدرجة الأولى والأساسية إلى شد الحزام والتقشف ولكن الغريب هو مطالبة “المتقشف أصلا” أن يعتاد أيضا على عبء آخر.