العدد 2911
الإثنين 03 أكتوبر 2016
banner
لا لتسليم قيادنا للأوهام
الإثنين 03 أكتوبر 2016

امتلأت وسائل الإعلام لدينا، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن القانون الذي ذاع صيته في العالم (جاستا)، الذي يتيح للمواطنين الأميركيين مقاضاة المملكة العربية السعودية بزعمهم وقوفها وراء أحداث 11/9/2001.
جلّ الذين قرأت لهم كانوا مساندين للسعودية، وحتى أولئك الذين يقفون من السعودية موقفاً سياسياً مناوئاً، وجدت من يقول إنه في هذا الموقف، وهذا الموقف بالذات، سيكون في الصف السعودي، نظراً للغطرسة التي حسمت فيها دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة قرارها، وخلوّ وجه العُهر الأميركي من أية علامة للخجل على كل ما فعلته في تاريخها المعاصر من بعد أن حطّت الحرب العالمية الثانية أوزارها، إلى اليوم، ناهيك عن إبادات الهنود الحمر، حيث خطت الأحذية العسكرية على جثثهم لتبني مجدها الأعور.
القانون المتعالي، والناظر إلى العالم بأنه فسطاطان: الأميركيون والآخرون؛ يقول إنه إن قامت حكومة بالتخطيط لهجوم إرهابي وتنفيذه في الولايات المتحدة؛ فيمكن مقاضاتها. وليس هناك أجمل من هذا ولا أعدل، ولكن كم مرّة خططت الولايات المتحدة للهجوم على دول أخرى ونفّذته من دون غطاء ولا حياء، ولا توجد في كل تلك الهجمات أية شكوك في صحتها من الأساس، وليست عبر أناس اعتياديين، بل بأمر القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية نفسه؟! أيضاً هذا ليس بيت القصيد.
فلقد انتشرت – كما النار في الهشيم – مساء السبت رسائل من مجموعة “واتس آب” إلى أخرى، وتقول إن البرلمان الياباني يفكر في مقاضاة الولايات المتحدة على القنبلتين الذريتين، وكذلك تفكر أفغانستان وباكستان والعراق، ولا أدري إن نسيت بلداً آخر. وللتأكد قمت بزيارة موقع بي بي سي، وسي إن إن، ودوتشيه فيليه، فلم أجد أثراً لهذه الأخبار التي أدخلت السرور والحماس على أصحابنا.
في الخميس الماضي تعرّضت في هذه الزاوية إلى أهمية النضج الإلكتروني، وليس تطيير الأخبار سيئها وجيدها، صحيحها وضعيفها، فمثل هذه الأخبار إن راجت وتم التعامل معها على أنها حقيقة، قادرة على أن تغشّ الناس برمّتهم، وتعيشهم في أوهام خادعة، وقصور مشيدة قواعدها هشاشة الأمنيات والتوقعات والجري غير المبرر للنشر، والتداول لأمور غير معقولة، ولا تستقيم مع علوم السياسة، ولا تنسجم مع موازين القوى الدولية، والمصالح المختلفة.
ربما أكون اليوم مخطئاً ويحدث في الغد ما لم أرجّحه اليوم، ولكن المنطق يقول: الحق مع القوة، والعالم في تدهور شامل على كل المستويات: الاقتصادية والثقافية والفكرية، جذوره مخلخلة، ودروعه مهلهلة، وتزداد عظامه نخراً كلما استقوت الولايات المتحدة، فمن أين له النهوض في وجهها، فلكل شيء أسبابه، وهذه الأسباب مفتقدة اليوم، فمثل هذه الحروب تحتاج إلى حكمة ورويّة، وبعد نظر واستعداد للعواقب، وتقليب الأمر إلى أوجهه حتى وجه الابتزاز، وجملة عظيمة من الإجراءات والاحترازات، فليتنا لا نسرف في الأحلام والتمنّيات لنتركها تقوم مقام الفعل، ونغطّ نحن في نوم عميق.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية