العدد 2859
الجمعة 12 أغسطس 2016
banner
التعصب الديني متغير زائل
الجمعة 12 أغسطس 2016

 من وسائل التطرف والخداع السياسي والديني ما يُسمى بـ “نصرة المذهب”، وهو مبدأ معاد للسيادة الوطنية والهوية القومية العربية. فالسيادة الوطنية والهوية القومية العربية المبدأ الثابت، بينما العصبيات الأخرى القبلية والمذهبية هي الزائلة، كونها لا تملك الأسس الأخلاقية أو أية ثوابت أخرى تجعلها أفضل من غيرها.
 والمتتبع للأحداث في منطقتنا العربية يلاحظ انتشار ظاهرة “العصبية” وارتفاع الخطاب الديني الطائفي على حساب الخطاب الوطني والقومي مما أدى إلى أن يتحول الصراع إلى تصفية الحسابات بين الطوائف الدينية والمذهبية بدلاً من الاهتمام بقضايا الوطن والمواطنين، وبدلاً من تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية يتم تأسيس النظام الطائفي السياسي الذي يخدم فئة من المواطنين دون غيرهم.
 وعلى سبيل المثال لا الحصر فطوائف دينية كثيرة في العراق تواطأت مع واشنطن وطهران وتل أبيب والعواصم الغربية على احتلال العراق، واعتقدت بأنها مشاركة في معركة التحرير والاستقلال؛ واليوم جميعها غرقت في معركة الدفاع عن المذهب على حساب العراق الوطني والقومي، مما زاد من الاحتقان الطائفي بين الشعب العراقي.
العصبية الدينية والعشائرية متغير طارئ يختلف كثيرًا عن الوحدة الوطنية بمبادئها وقيمها العُليا كثوابت مبدئية تكون لها الغلبة على هذه الظاهرة العصبية التي ستزول إن من حياتنا وأمتنا العربية، لأنها متغير طارئ مفروض في زمان معين ومكان مُحدد وعابر، وستفشل تجربة إحلال الولاء للمذهب محل الولاء للوطن، لأن التيارات والجمعيات السياسية الدينية بفئاتها مسؤولة عن أي تخلف سياسي وتأخر اقتصادي وتفتيت اجتماعي، لأن أصحابها يعملون لصالح تلك الجمعيات والتيارات ولصالح فئة مذهبية معينة، ولا يعملون لصالح الوطن والمواطنين جميعًا. وبذلك فهؤلاء وغيرهم من داخل دائرة العصبية الطائفية يكونون قد قيدوا أهداف طائفتهم وكبلوا الوطن وشعبه بأغلال مصالحها.
إن تحقيق مصالح العصبية الطائفية دون مصالح الوطن جريمة يرتكبها الطائفيون باختلاف مذاهبهم، ويتناحر الطائفيون لأجل تقسيم كعكة الوطن لصالحهم دون غيرهم، وكلٌ يُريد الحصة الأكبر، وبموجب ذلك فإن هذه الطوائف لا تريد مشاركة أي أحد في العملية السياسية بحكم مبدأ الاستفراد والأنا دون الآخرين. والحل الصحيح هو المكوِّن الوطني والقومي باستراتيجيته الرافضة للمكونات الطائفية، وبنهجه العادل لتحقيق مصالح الوطن وشعبه، الواقف بالضد لنظام المحاصصة الطائفية المذهبية. والمكوِّن الوطني بأعراقه وأطيافه وأديانه ومذاهبه هو الأوفر قبولاً في المشاركة في العملية السياسية، بعيدًا عن الطائفيين المتواطئين في الفتنة السياسية والمذهبية عن سابق إصرار وتصميم، فهؤلاء الطائفيون يعملون ضد الوطن ويسرقونه من جميع المواطنين باختلاف أديانهم ومذاهبهم.
ومنذُ انطلاق مشروع الإصلاح الوطني في مملكة البحرين لم تجد العصبية الطائفية مكانًا لها، ولا عنوانًا لها بين سطور كلماته، فأصبح أصحابها من المناوئين والمعارضين للمشروع الإصلاحي، وتآمروا على البحرين وشعبها، ويمكن للمتابع للأحداث في البحرين أن يرى كيف جسدت تلك الفئة دورها كمعارض ليس نزيها للمشروع الإصلاحي، إلا أن المشروع الإصلاحي لم يُعادهم بل دعاهم مرارًا وتكرارًا إلى كلمة سواء، إلى الحوار، وكثيرًا ما مدت القيادة السياسية إليهم يديها من أجل انتشالهم، ومن أجل بلدهم وشعبهم، ولكن أبوا إلا أن يكونوا العوائق في مسار المشروع الإصلاحي وفي مسيرة الديمقراطية والعملية السياسية، إلا أن العملية السياسية نهضت بغيرهم من المواطنين ومن دونهم.
لقد راهن أتباع العصبية على الطائفية، فكان رهانهم خاسرًا أمام العملية السياسية الديمقراطية، ولم يربحوا من عدائهم مع بلادهم وقيادتهم ومع المكونات الوطنية الأخرى شيئا، وهذه الخسارة الدليل الأكبر على أن العصبية ليست ثابتًا وطنيًا، وليست من الثوابت الدينية. وبالغ كثيرًا النظام الإيراني عندما راهن على أن الشعب البحريني سيتغلب عليه الشعور الديني والمذهبي على شعوره الوطني والقومي، وهي أمنيات خيالية وأضغاث أحلام بعيدة جدًا كحقيقة موضوعية ومنطقية، فالنظام الإيراني يجهل تمامًا دور الشعور الوطني والقومي عند كل أبناء مملكة البحرين، فهذا الشعور هو الركيزة الوجودية لهذا الشعب، فانتماء الشعب البحريني إلى مملكة البحرين هو انتماء وطني وقومي وليس دينيا أو مذهبيا، فالانتماء الوطني والقومي يمثل الهوية العربية للشعب البحريني، والدين والمذهب هو العقيدة التي ينتمي إليها، ولا تعارض بين العروبة والدين، بل هما الجناحان اللذان يُحلق بهما الشعب البحريني في فضاء بلاده البحرينية العربية. إن الشعب البحريني بثقافته الوطنية والقومية يرفض العصبية القائمة على نصرة المذهب دون الوطن، وسيجاهد بإرادته الحُرة الوطنية من أجل حماية سيادة بلاده الوطنية وهويتها العربية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية