العدد 2833
الأحد 17 يوليو 2016
banner
هل باستطاعة العراق؟ (1)
الأحد 17 يوليو 2016

السؤال الذي تنقصه الإجابة هو كيفية تجاوز المحن وسُبل تنظيف العراق من الفكر الإجرامي ودحره وتجاوزه. وهل باستطاعة الدولة إزالة التلوث الفكري الحكومي والشعبي الذي تمكن من الانتشار دون الانتقاص من الشعب وحقوق أقلياته.
تجاوز محن الإرهاب بحاجة ماسة إلى الافهام والتفاهم والفهم والإدراك العقلي لاحترام حاجات الشعب وتطلعاته المستقبلية وباستطاعة ممكنة للتحول السريع، وذلك لا يعني فهم العراق فقط، إنما ما يدخل إليه من محيطه الإقليمي، مع أن ضخامة الأعمال الإرهابية في العراق تفوق في معدلاتها الدول الأخرى، كما أن تجاوز المحن والتأخر المجتمعي لا يعني كثافة التسلح واستلام دفعات جديدة من الأسلحة وتسليمها لفئات غير معروفة الولاء للقوات المسلحة والدولة العراقية.
بعد هذه المقدمة علينا إدراك حقائق الإرهاب الذي تقوده المجموعات التكفيرية المرتدة. والإرهاب الفكري اللا إنساني أخطر وأهول من الإرهاب المسلح. وسواء أكنتَ تجلس في مقهى في باريس أو مقهى في الكرادة ببغداد، مطار بروكسل أو مطار اسطنبول التركي، وسواء أكنا في شهر رمضان أو شعبان، نشاهد كرة القدم الأوروبية أو الجلوس في مسجد للصلاة. فإن أوباش الإرهاب الفكري لا يهمهم إلا إنزال أقسى الضربات المميتة والتسلح بأقذر الأحزمة الناسفة وترقب أماكن تجمع الناس ممن لا يخضعون لديانتهم المعوجة المريضة المشبعة بالحقد والانتقام وممارسة العمل الجنوني.
لا يعرف الكثير من قادة العراق السياسي والعسكري الحالي أن العراق كان دوماً مُعرضاً ومكشوفاً لقوى الإرهاب الداخلي ولدول حليفة ودول عدوة إسلامية المظهر منذ انقلاب عام 1963. وإن ما يميزه عن غيره من الدول أن هذه الحروب بدأت فيه ولم تنته بعد لأسباب عديدة.
ماذا باستطاعة العراق أن يفعل إذا؟ أسئلة عديدة يطرحها المتخاذلون عن مستقبل العراق، وتبدأ بالانتقاص من شعب العراق وكرامته ورغبته في نيل الحرية والاستقرار بسلمية التظاهر والاحتجاج السلمي، والمتفائلون وتساؤلاتهم هل باستطاعة أية حكومة عراقية مسك الوطن والأرض وتشخيص الأخطاء وتحديدها وعبور مستنقع الذل والهوان والتفرقة وإيقاف المجموعات التكفيرية عن تفجير المقدسات، بدليل برنامج عمل جديد يتجاوز المحن والجدل والاعتبارات الشخصية الحزبية؟
العراق الحالي وجوه غاضبة مجهمة متوترة وأشخاص بملابس وشارات عسكرية تحيط بطاولة رئيس الوزراء وتتحدث عن القتال وتعشق مهماته ظناً منها أن ذلك ما يطمح إليه شعب العراق في مخيمات الذل والهوان والمرض. كم طبيباً ومهندساً وصناعياً وأستاذاً وخبيراً مدنياً حول هذه الطاولة؟ كيف يكون بالاستطاعة القول هنيئاً للعراق بدولة العسكر المفككة العرى.
من يستطيع وبنوايا مخلصة الأخذ بالشعب المعذب وعدم الاستخفاف بما يريد وإقناع أبنائه بالسيادة الوطنية على أرضهم ومالهم وحقوقهم وحمل مسؤولية النهظة السريعة؟ هل بإمكان شعب العراق الاستجابة للثقافة والتربية المجتمعية التي تصوغها لهم برامج الكتل والأحزاب والتيارات دون اللجوء الى العنف والتكسير ورمي الحجارة والصراخ على الآخرين بالكلمات البذيئة؟
قبل أيام، قدمت الولايات المتحدة الأميركية، مبلغ 20 مليون دولار كمساعدات انسانية الى العراق استجابةً الى برنامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما أضافت مجموعة جديدة مؤلفة من 500 مستشار عسكري فني.
والحقيقة المرة، ومع هذه الاستجابة الأجنبية الطيبة، هل ندرك أنه ليس  باستطاعة اللجنة الدولية لحقوق الانسان، أو منظمة الأمم المتحدة، أو قوى التحالف الدولي العسكري، تنظيف العراق من قوى الإرهاب، مع أنها تمد يد المساعدة والعون؟
العراق بانتظار إصلاح الحياة المجتمعية بنهضة تنبع من الداخل، ليس من بينها شراء وتكديس السلاح وذريعة قتال العدو. والحكومات العراقية منذ ثورة العشرين عام 1920 والجمهورية الأولى لعام 1958، صنفت أهل العراق بالتبعية لإيران وتركيا، وكانت هذه الحكومات دائما الأداة الخاصة لهيمنة الدول الاقليمية الإسلامية والأجنبية والاستعمار البريطاني ودول بيع وتزويد العراق بالسلاح كأميركا وروسيا وفرنسا. والمعرفة البسيطة عن هذه الدول أنها دول متماسكة وتتمتع بكامل السيادة على أراضيها، وقرارات حكوماتها وعقود تجارتها الخارجية موحدة ومنظمة بقوانين حقوقية، ورصيد أموالها لا تتناقله أيدي السراق واللصوص وحاشيتهم. كيف يستطيع العراق الذي أصبح مأوى الأحزاب ومُسلحيها (التي تضاهي في قوتها قوة الدولة، وفي أحيان، تتحداها)، التخلص من شخوص هذه الأدوات التخريبية؟ وهل باستطاعة الحكومة المركزية الحصول على ولاء الإقليم الكردي دون تحد أو صراع أرضي مسلح مثلاً؟. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .