العدد 2807
الثلاثاء 21 يونيو 2016
banner
عسكرة العراق كارثة غير طبيعية إطلاقاً
الثلاثاء 21 يونيو 2016

هل انتهت حضارة العراق بتجييش أهله للحروب الداخلية؟ ولماذا هذا العنوان؟
تجاوزت أعمال القتل والإرهاب مسألة المساءلة الإلهية والربانية. وأرى الجرأة الحقيقية في محاربة الانحطاط المذهبي وبشاعة خَنْق الحَياة بإدخال معتقدات القتل والتفجير والسلاح وتدريب أهالي العراق على توزيع صنوف الموت والخراب.
كوارث الحروب والويلات والاقتتال الداخلي لم تمنع التفكير التقليدي الحزبي والعشائري والمذهبي من قيام كل مجموعة فئوية بفكرة تجييش أهل العراق وعسكرة مجتمعاتهم.
عسكرة العراق كارثة غير طبيعية إطلاقا، وهي الرحيل عن ثقافة أهله ومجتمعه المدني. وتجييش وتسليح سكان المحافظات الموالين لقومية أو مذهب في أسلوب منحط لتكريس الطائفية والكراهية. بدأت هذه العسكرة بإدخال البعث الحرس القومي عام 1963 للتقليل من تأثير الجيش النظامي على الحزب وتبعها فدائيو صدام وأكراد البشمركة والأسايش ومنظمة بدر ومليشيات الصدر وجيش النفقشبندية ومليشيات إسلامية أخرى. وكان الجيش العراقي قد وصل الى ذروة قوته وبلغ تعداده مليون عسكري ورابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد وتشكيلات ملاكه المكون من 52 فرقة مشاة.
ومنذ أكثر من سنة، والقوات التركية جاثمة في شمال الموصل، تقوم بتدريب مدنيين موالين الى أسرة النجيفي وبطلب منهم في مخالفة صريحة لقرارات الحكومة وتحد يعكس أضرارا حالية دائمة لأهالينا وحياتهم مستقبلاً.
أثيل النجيفي المحافظ السابق لمحافظة نينوى وأخوه أسامة النجيفي يُسهمان حالياً في تفتيت قدرات العراق والتحام شعبه وجيشه، باعتقاديهما أن تركيا هي الحليف العسكري المُعول عليه لتحرير المحافظة من قيادات وأمراء دولة الخلافة الاسلامية.
وفي تنكر للحقيقة التاريخية التي يعلمان بها، وهي أن الحكومات التركية العثمانية وامبراطورياتها الإسلامية وعلى مر التعاقب الزمني سحقت شعوب المنطقة واعتبرت العرب والأكراد حشرات تستحق السحق. وحكام الامبراطورية العثمانية أظهروا موهبتهم الفاشية في مذابح الإبادة البشرية للأرمن والعرب وارتكبوا المجازر بحق الأكراد والآشوريين والكلدانيين وتجاوزوا على الحقوق الفردية للأقليات.
ورغم كل تلك الفترة الزمنية ومآسيها الإنسانية، تطوف مُخيلة النجيفي اختيار كلمات وتسميات بديلة جديدة لتحرير محافظة نينوى والموصل وخرج مؤخراً بشعار وتقليعة "الحشد الوطني بدلاً من الحشد الشعبي". يعمل أثيل النجيفي على إبعاد الجيش العراقي وإبعاد متطوعيه وإبعاد البيشمركة الكردية في تفضيل مشاركة الجيش التركي في عمليات داخل العراق، ويريد تمرير ذلك كي تغذي تركيا تدريب وتسليح سكان المحافظة وكي يكون الأخوان أداة للنفوذ التركي وانتقال يد سيطرة إرهاب الخلافة الإسلامية داعش الى سيطرة الإرهاب والنفوذ التركي.
على عكس مجرمي الحروب الزمنية ومفتعليها، نجد أن محبي تمريس الحياة المدنية في النسبة الكبرى من سكان العراق وتفضيلها، إقامة علاقات الأخوة وتنميتها مع الشعب التركي الجار دون إيداع إرادتنا الحكومية والشعبية في أيادي الدولة وبسط نفوذهما وسيطرتهما أو عسكرة شباب العراق مناطقياً على أرض عراقية. كلُ عمل من شأنه عسكرة العراق وتجييش مكوناته هو تكريس للطائفة وحثها لقتال طائفة أخرى، وهو عمل لاأخلاقي ولا سياسي ويصعب أمر إزالته ونفض غباره مستقبلاً بإحلال الحياة المدنية وخصوصياتها.
هل هذا المبدأ صعب الفهم والاستساغة على عتاة السياسة أم أن استمرار نهج عسكرة أهل العراق هو الخط المتأصل في بعض الأحزاب والأشخاص لاستغباء الناس؟
طالما تبين لمثقفي العراق حصار الحكومات لهم وقيام أشخاص تدفعهم مصلحة معينة بعسكرة التفكير المجتمعي للبسطاء من الناس وخلق العدوات المذهبية وتجنيد الأهالي لحمل السلاح.
أهالي الموصل هجروها ورحلوا عنها وحملوا مع اطفالهم طياتهم من حقائب الألم والحسرة وهم يغادرون أرضهم.
ذلك ما يستوجب النقاش الموضوعي ويحثنا على الإشارة الى أن إرهابيي اليوم يتخفون بملابس عسكرية ومدنية، وفتح الصفحة الإنسانية النبيلة الجديدة ينبغي أن يكون مبنيا على أساس قيام جيش وطني واحد والابتعاد عن إرباك الأوضاع الأمنية وتحدد الحكومة دوره وواجبه والتزاماته وأهدافه.
وكل من يرى أن قمة واجبه تسليح الأحزاب والعشائر مذهبياً يتبرع للجريمة والإرهاب، ولا يميز بين إحلال روح المحبة والتآخي وفرق السلام وبين خطورة إحلال مجندين بإضافة مليشيات جديدة وإدخالها في خضم الصراع. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .