العدد 2774
الخميس 19 مايو 2016
banner
في العراق... إطالة وإبقاء الأزمات فنُ وموهبةُ
الخميس 19 مايو 2016

كنت طالباً شغوفاً بعلماء العلوم السياسية والدراسات الدولية خلال دراستي الجامعية.
سبحان الله، كيف تتشابه الفصول وتأزيم الأزمات في الدول، ويتعايش معها البعض في إلهاء زمني يختلف عما يجري خلف دهاليز من تنتخبهم وتظنهم رعاة الشعوب.
وملخص إعجابي بمؤسسات الدولة هو ما كتبه الدكتور توماس مان العلماني السياسي الاميركي بعد اعتزاله العمل السياسي وأثار ضجة بين أعضاء الكونجرس الأميركي “الاعتراف بالحقيقة، ولحد اللحظات الأخيرة، يحجبها، عدم ذكرها في حلقات المجاملة السياسية”.
الحقيقة السياسية المخصصة للطبقات الشعبية هي إقناع الشارع العراقي بأن العراق مؤسسة كمؤسسات الدول الأخرى، ومحاولة مستميتة من أعضاء الطبقة السياسية الحالية لتوجيه الشعب بالاعتماد الكلي على إنجازاتهم.
 دون أية ابتسامة متفائلة بالمستقبل، تجدهم ساسة يجلسون ويتزايدون بمزاد (من بينهم هو الأفضل) في مطالبة دول خارجية لمد يد المساعدة والعون الدولي، وفي قيح غرضه إطالة بقائهم، إطالة وجودهم، إطالة الأزمات والتعثر بها، والأهم إطالة مهامهم في النفوذ والسلطة بادعاء تقديم الخدمات للشعب.
لنركز على فقرة تقديم الخدمات والإنجازات التي تمرر عبثاً على الناس ويتقاذف مدعوها كلماتهم، وأنها إسهامهم وهي ليست أكثر المفاخرة بملابس وغطاء مخجل عممه غيرهم عليهم.
 العراق ليست مؤسسة دولة بالمعنى السياسي المعروف بين الدول.
فمجلس النواب “السلطة التشريعية ليس مؤسسة دولة” لأنه معطل بلا عمل ولا يمثل أحداً، و”مجلس الوزراء السلطة التنفيدية” ليس مؤسسة دولة لأنه خاضع ولم يفلح كمؤسسة عسكرياً، أمنياً، اقتصادياً، مالياً، مصرفياً، عمرانياً، أو توحيدياً لأرض العراق وسيادته. و”مجلس القضاء الأعلى- السلطة القضائية”، ليس مؤسسة لأنه وباعتراف فريقه مسير ويعتمد على خبرة أجنبية.
وبينما تتضخم وتتعقد الأزمات العراقية داخلياً وإقليمياً ودولياً بمرور الزمن يجلس أعضاء المجلس النيابي العراقي من العرب والكرد في خيم الزمان المتباعدة بانتظار وصول الحل الأجنبي الدولي.
تصور أن هيئة النزاهة، المنزوعة القيادة، تعتمد على خبرة أجانب لكشف المشمولين بالسرقة والتعريف بصفقات فساد لعقود نفطية وتزويد الجانب العراقي بها للنظر بها والتصرف.علماً أنه لن يكون باستطاعة أية هيئة مراقبة مالية عراقية أو أجنبية معرفة من لهم حسابات سرية في مصارف الأردن وسويسرا وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا وأميركا واسترداد الأموال المهربة المسروقة.
 وعلى حد قول رئيس هيئة النزاهة العراقية وفريقه، وبعد 13 سنة من السرقات والعقود المشبوهة (إن خبراء عن منظمة (UNDP) وفريق الخبراء الدولي سيمارسون مهمتهم استناداً الى سعي الهيئة للاستعانة بالخبرات الدولية في مجال التحقيق وأخرى عن إحدى الصفقات المشبوهة حيث دفعت وفقها شركة “أونا أويل” 25 مليون دولار على الأقل كرشاوى عبر وسطاء لضمان دعم مسؤولين نافذين في العراق للحصول على العقود النفطية).
تصور أنه بعد 13 سنة، الرقابة التشريعية بلا تشريع، الحالة الأمنية تبادل اتهامات بين مليشيات عربية وكردية، قبلت بها السلطة التنفيذية.
تصدير النفط سرقات، كركوك أزمة هيمنة عربية كردية تركمانية على المحافظة، الإقليم الكردي به تهديد يومي بالانفصال، محاربة داعش، اعتماد تام على خبرة 400 مستشار أميركي وطائرات أميركية لإبعادهم عن العاصمة. جيش عراقي لم يبادر بإرجاع محافظ نينوى من أيدي قتلة بعد مرور سنتين. وآخر الأحداث تبادل قيح السباب والاتهامات عن أسباب ونتائج ثلات تفجيرات أوقعت 84 قتيلا و162 جريحا معظمهم من النساء والأطفال في سوق عريبة بمدينة الصدر والكاظمية وحي العدل.
وبينما يجلس الصدر في خيمته الزمنية ومنها يطالب ويهدد ويتوعد بتحريك الشارع، تنال ايادي الإرهابيين القذرة مدينة الصدر وأحياء العاصمة بغداد لتزرع فيها الموت والدمار وتقتل الأبرياء رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالا. ويشير حزب الدعوة الى تصريحات مقتدى الصدر قبل التفجيرات الأخيرة بتهكم “القاصي والداني يعرف من يعبث بأمن الناس ويثير قلقهم بشكل يومي”، ويتساءلون عما يمنعه من تقديم أسماء القتلة، كما قدم سابقاً لائحة أسماء وزراء التكنوقراط، بينما يلاحق ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي في مناوشاته بشن الحملة على حزب الدعوة ويحمل بشدة على رئيس الوزراء حيدر العبادي ويتهمه بالاخفاق في حماية أهالي بغداد.
الأحزاب العراقية تناور وتناور في مهاوشة لا يوجد منطق عقلاني مقبول لها وتعيش على معتقداتها البالية في فن وموهبة “إبقاء الأزمات” وتحاول اظهار مساوئ الآخر وتنسى مساوئ نفسها.
المخلصون المؤمنون بتربة العراق أصبحوا قلة، ومن يرجع بشجاعة الى التحليلات والدراسات العديدة لتأخر العراق يجد أن بعض كتب التراث والتفسير الديني هي الأكثر تشدداً في بلورة فكر الإنسان العربي المتطرف.
تصور أننا في القرن الحادي والعشرين وهناك نقاش طبقة سياسية مجتمعية عراقية ترجع بنا الى صراع الف وأربعمئة سنة، فعلاً إن “الاعتراف بالحقيقة، ولآخر اللحظات الأخيرة، يحجبها عدم ذكرها في حلقات المجاملة السياسية” في مزاد الجالسين بلا عمل. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية