لا تتحقق الوعود الأميركية بل تشترى بالمصالح والمال، هذه هي أميركا، ولا صداقة حقيقية مع أميركا بل هناك مصالح أميركية، وليست مصالح متبادلة بين أميركا وبين أي طرف آخر، بل مصالح أميركية أولاً وأخيرًا، هذه هي أميركا. لدى أميركا القوة المالية والاقتصادية ولكنها ضعيفة إنسانيًا، وليست هناك أية مكانة للإنسانية في أجندة مصالحها، كونها نظريات لا تصمد أمام قوة المال والاقتصاد الأميركي العنكبوتي المتشابك والمنتشر في أرجاء الكون الأرضي والفضائي. الرؤساء الأميركان يأتون من اختيار معظم أبناء الولايات الأميركية، ويتم تعيين الرئيس الأميركي بحسب ما يستطيع أن يُقدم إلى المنظمة الصهيونية العالمية وكيانها أولاً، وبحسب موقفه الحقيقي من القضايا العربية ثانيًا، ويقعد على كرسي الرئاسة الأميركية مَن يستطيع أن يجني استثمارات أكثر للمستثمرين الأميركان ولشركاتهم في الداخل والخارج ثالثًا، ومَن يقدر على أن يُحافظ على استمرار انسياب النفط العربي والشرق الأوسطي وزيادته إلى المرافئ الأميركية وبأرخص الأسعار رابعًا. هذه هي أميركا، وهكذا تكون دولة قوية اقتصادية بسقوط إنساني.
تدعي واشنطن وباقي ولاياتها الأميركية أنها ديمقراطية، وأن رؤساءها حُماة الديمقراطية في العالم، ولا يريدون من المؤسسات العسكرية في دول العالم أن تحكم، بل الديمقراطية هي التي تحكم، لنرى مَن يحكم في الولايات المتحدة الأميركية؟ أهو الرئيس وحكومته التي يُعينها ديمقراطيًا؟ أم أن المؤسسة العسكرية الأميركية هي التي تحكم أميركا ودول العالم؟ مَن الذي يضع عناصر السياسة الخارجية الأميركية.. هل الرئيس الأميركي أم وزير خارجيته أم المؤسسة العسكرية الأميركية؟ الممارسات الأميركية والشواهد القديمة والحاضرة للأحداث بالعالم تؤكد جليًا أن الرئيس الأميركي وحكومته ما هُم إلا أداة تنفيذ لسياسة المؤسسة العسكرية الأميركية، سواء في أميركا أم في خارجها.
لم تستطع الإدارات الأميركية المتعاقبة في البيت الأبيض أن تخفف من الآثار السلبية للسياسة السيئة التي نال منها العرب وأقطارها الكثير من الأذى والخداع، وفي تشويه الحقائق، التي لم تحقق للعرب سوى الدمار الاجتماعي والتخلف السياسي والعجز الاقتصادي وسقوط الإرادة السياسية الوطنية والقومية للأقطار العربية، فالوعود الأميركية المُزيفة بمثابة كرة من الثلج. ولا يبدو في زيارة الرئيس الأميركي أي موقف جديد أو جدي حول الأوضاع العربية الملتهبة نارًا والتي أسعفتها واشنطن بالكثير من صب الزيت عليه.
إن المسافة بين أفغانستان وأميركا، وبين أميركا والعراق شاسعة جغرافيًا، لكنها قريبة جدًا لتحقيق أهداف المصالح الأميركية، ولتحقيقها أكثر يصبح التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان من أسس بناء المُستقبل الأميركي. حيث تنتعش من الجانب الآخر “مكوكات الثقافة الديمقراطية الأميركية” التي تقوم بخلط جميع الثقافات والحضارات الوطنية والقومية في أتون المصالح الأميركية بغض النظر عن نتائجها محليًا. وهو مبدأ الشر الذي بدأته أميركا من أجل أن يخضع العالم ديمقراطيًا لها بشرط أن لا تسير الدول غير الديمقراطية على السجادة الديمقراطية ولا تتعايش شعوبها معها. لقد نجحت أميركا في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية والديمقراطية. وسفراء أميركا في جميع أقطار العالم إن لم يحققوا أيًا من هذه الأهداف أو أية إضافة جديدة للمصالح الأميركية يتم استبدالهم بآخرين.
بمقابل الانتصارات العسكرية الأميركية والمكاسب الاقتصادية وإنجازاتها السياسية ماذا تحقق للعرب من ذلك سوى التراجع والضعف وتراكم الديون؟ من يثق في هذه الإدارات الأميركية سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية؟ وهي التي حولت منطقتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط إلى ساحات تدريبية لقواتها، ومختبرًا لاختبار ما تنتجه مصانعها من أسلحة الدمار الشامل، وجعلت من الأحزاب السياسية والحقوقية في أقطارنا العربية دكاكين لعرض بضائعها الديمقراطية والحقوقية. ففي الوقت الذي تمارس فيه الإدارات الأميركية سياسة الإرهاب مع مَن لا يتفق معها ويناهضها تدعونا نحن بالإرهابيين. لقد غزت أميركا أفغانستان والعراق ودمرتهما باسم الديمقراطية، مارست القتل والتعذيب في غوانتانامو باسم حقوق الإنسان.