العدد 1056
الإثنين 05 سبتمبر 2011
banner
التلفزيون السوري وحديث المؤامرة
السبت 27 أبريل 2024

شاهدت التلفزيون السوري (اخبار سوريا) لمدة ثلاث ساعات يوم الحادي والثلاثين من اغسطس الماضي، فشعرت أنني انتقلت إلى عالم آخر غير العالم الذي تضعنا فيه بقية وسائل الإعلام الأخرى.
أول ما يلحظه المشاهد فيما يبثه التلفزيون السوري حول أحداث سوريا وليبيا أنه لا يعرض اي صور خلال هذه الأخبار، ويتجاهل الوضع الميداني في الدولتين كأنه يبث تقارير عن تاريخ الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأميركية وليس تقارير عن احتجاجات وسقوط قتلى وجرحى بالمئات.
وكان المشهد الوحيد الذي قدم مشهدا من مشاهد القتل خلال كل هذا الوقت الطويل، هو مشهد لما قال التلفزيون انه مشهد لحادث إرهابي نفذه ثمانمئة إرهابي عندما قاموا باقتحام أحد المراكز الأمنية وقتلوا من فيه، وقام التلفزيون السوري ببث تقرير كامل اشتمل عرضا لجثث القتلى وشهادة لشاب قيل انه أحد الإرهابيين الذين شاركوا في الحادث.
المؤامرة الخارجية هي القاسم المشترك بين ما أذاعه التلفزيون السوري حول سوريا وليبيا، حيث ان حلف النيتو يسعى للإفراج عن أرصدة بعض المؤسسات النفطية لكي تستفيد الدول الأوروبية المشتركة في المؤامرة من النفط الذي يخص هذه المؤسسات، و”وليد المعلم” وزير الخارجية السوري تعرض لعقوبات مالية من قبل الدول الغربية لأنه قال أن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية، و”بثينة شعبان” طالتها نفس العقوبات هي والسفير السوري في لبنان لأن الأولى تتحدث باسم سوريا والثاني لا يزال على صلة بحكومة بلده ويرسل لها التقارير.
هذا ما قاله التلفزيون السوري خلال ثلاث ساعات، أما ما حدث ويحدث في سوريا ميدانيا فشأن لا يخصه على الإطلاق!وكأننا في حلم أو في عالم آخر.
فأي مصداقية ستبقى لوسيلة إعلام تقلب الصورة 360 درجة، في وقت تمتلئ فيه مئات القنوات الفضائية بأخبار القتل والتعذيب وحملات الدهم التي يقوم بها الجيش السوري بحثا عن الناشطين المشاركين في الاحتجاجات؟
وماذا سيقول المسؤولون عن الإعلام السوري لشعبهم إذا ما رحل النظام السوري، وهو أمر وارد بشدة؟ هل سيفعلون كما فعل المذيعون والإعلاميون المصريون، وينقلبوا على أنفسهم ويركبون الموجة كغيرهم من المنتفعين، أم أنهم سيرحلون ويحاكمون بمجرد رحيل النظام الذي يدقون له الطبول؟
إنها صورة لا مثيل لها في العالم كله، ففي كل وسائل الإعلام في العالم نجد بعض التحريف للأخبار ونجد أمثلة للدعاية البيضاء والسوداء والرمادية التي تدعم أو تشوه هذا الطرف أو ذااك، ولكننا لا نجد ابدا إعلاما يعيش في واد والدولة التي يعمل فيها تعيش في واد آخر، بل يعيش في واد وكل وسائل الإعلام العالمية في واد آخر!
يستطيع التلفزيون السوري والقائمون على الإعلام أن يقنعونا أو يقنعوا البعض منا أن مؤامرة خارجية تدار ضد سوريا، ولكنهم لا يستطيعوا أن يقنعوا ذبابة أن الأحداث الميدانية في سوريا مجرد أعمال إرهابية يقوم بها بعض العملاء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .