العدد 5672
الخميس 25 أبريل 2024
banner
نوادر وطرائف عن العلم والكتاب في تراثنا العربي (1)
الخميس 25 أبريل 2024

يزخر تراثنا العربي بالعديد من النوادر والطرائف المتعلقة بالعلم والكتاب، وهي نوادر وطرائف تؤكد بجلاء المكانة العالية التي وصل إليها مستوى الاهتمام بالعلم والعلماء والكتابة والتأليف، وما صاحبها من بروز طبقة الوراقين، التي تخصصت في نسخ الكتب وبيعها، وهي ظاهرة انتشرت في الكثير من الأمصار العربية آنذاك.
كان خلفاء الدول الإسلامية وفق العصور المختلفة يحرصون تمام الحرص على الاهتمام بالكتاب، وأسس بعضهم مكتبات ضخمة، كمكتبة دار الحكمة في بغداد ودار العلم في القاهرة، وكانوا يشعرون بالسعادة عندما يرون أبناءهم يهتمون بقراءة الكتب.
فقد نظر المأمون ذات يوم إلى أحد أولاده وبيده كتاب، فقال: ما هذا؟ قال: بعض ما يشحذ الفطنة ويؤنس الوحدة. فسرّ المأمون وقال: الحمد لله الذي جعل في أولادي من ينظر إليه بأدبه أكثر مما ينظر إليه بحسبه.
وقال رجل من العامة لخالد بن صفوان، وهو شاعر ومن فصحاء العرب المشهورين: ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار وتنشدون الأشعار، وقع عليّ النوم؟ فأجابه قائلًا: لأنك حمار في مسلاخ (أي جلد) إنسان.
ودخل أعرابي مسجد البصرة فانتهى إلى حلقة علم يتذاكرون الأشعار والأخبار وهو يستطيب كلامهم، ثم أخذوا في العروض، ولم يفهم منه شيئًا. فلما سمع المفاعيل مثل فعولن مفاعيلن، وغير ذلك من أوزان الشعر، شك في الأمر وظن أنهم يتآمرون على قتله فقام مسرعًا وخرج وقال: 
قد كان أخذهم في الشعر يعجبني حتى تعاطوا كلام الزنج والروم.
لما سمعت كلاما لست أعرفه.. كأنه زحل الغربان والبومِ
وليت منفلتًا والله يعصمني.. من التقحم في تلك الجراثيمِ
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي أديب زمانه، كانت له نسخة من كتاب “الجمهرة” لابن دريد، وكانت في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارًا، وتصفحها فوجد فيها أبياتًا بخط بائعها الفالي، يقول فيها متحسرًا على بيعها لحاجته إلى المال وكان محتفظًا بها على مدى عشرين عامًا، ذاكرًا في أبياته الأسباب التي دعته إلى بيعها مع أنه كان يعتز بها أيما اعتزاز: 
أنست بها عشرين حولا وبعتها.. لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها.. ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية.. صغار عليهم تستهل شؤوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرة.. مقالة مكويّ الفؤاد حزينِ
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك.. كرائم من رب بهن ضنيني
فتأثر الشريف المرتضى من تلك الأبيات، فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير، وهذه من شيم وقيم العرب الأصيلة.
“باحث ومؤرخ بحريني”

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .