العدد 4082
الأربعاء 18 ديسمبر 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
رومانسية المطر... عُذوبة وعَذاب!
الأربعاء 18 ديسمبر 2019

يترجم الكثيرون كلمة رومانسية إلى حب وعشق وهيام، والواقع أن هذه المعاني جزء بسيط منها؛ فالرومانسية وهي مصطلح غربي مُعرب؛ هي ما يتعلق بالشعور الإنساني المرهف، والحالة الوجدانية الهشّة! هي ما يجعلك تحلق في أقاصي الخيال؛ فتبعدك عن الواقع مسافات ضوئية بعيدة! هي ما يجعلك تسبح في السماء، وتطير في الماء! هي ما يجعلك تثور لأبسط الأشياء؛ أو تغضب، أو تتحمس وتفرح! هي ما تقترن بدموع العين، والبكائيات على كل شيء! الرومانسية بهذا المعنى تتعلق بالروح؛ حين تكون شفافة ورقيقة، سهلة الخدش، سريعة التأثر، فتتعاطى مع كل ما حولها بحساسية شديدة؛ إِنْ فرحًا، وإِنْ حُزنًا! إِنْ خيالا، وإنْ حقيقة!

في مواسم المطر؛ حيث يميل الطقس إلى البرودة غالبًا، ويكون الفصل شتاءً؛ تزداد حاجة الروح إلى الدفء المعنوي أكثر من الجسديّ، وكلما غابت الشمس أو احتجبت بنورها ووهجها الدافئ؛ احتاج المرء منا إلى مُعادل حقيقي؛ ليعوض الفاقد منها، وليُحقق حالة التوازن المطلوبة! والحقيقة أن هذا ليس كلامًا رومانسيًا في حد ذاته؛ إنه كلام العلم؛ وعلى أكثر من مستوى؛ فمن جهة؛ هذا الإنسان في حالة اتصال وتناغم مع كونِه الكبير، سواء أشعر بذلك أم لم يشعر! وهو جزء من سلسلة كونية، إلهية، مترابطة معا، يتأثر بما يحيط من حوله، من مناخات، وأجواء، وتضاريس، وكأي كائن حي يتأثر ويُؤثر.

هل انتبه أحدنا إلى الطبيعة الهرمونية للإنسان؛ وعلاقتها بالفصول الأربعة، واختلاف ساعات الليل والنهار؛ وأثرها في زيادة أو نقصان هرمونات جسده؟! تلك الهرمونات التي تنشط بسبب الضوء أو الحرارة، أو التي تنقص بسبب غيابها، وهلم جرّا، إذا وعينا هذا جيدا، وبحثنا حول الموضوع؛ لن نستغرب كيف يكون للمطر أثره البيولوجي النفسي علينا! كيف يُنعش هرمونات السعادة مثلا، أو كيف يؤثر في تقلّب الحالة المزاجية! بين حزن وفرح، من دون أن يكون هناك سبب واضح ملموس، أو دليل ظاهر! بل؛ سبب خفيّ؛ هرموني متعلق بالحركة الكونية!

من جهة أخرى، مهمة، وضاربة في عمق ذكريات كل واحد فينا؛ هي تلك العلاقة الحميمة التي تربط المطر بطفولتنا؛ ببراءة أرواحنا، وتفاسيرنا البسيطة والساذجة حوله، وتلك القصص التي حبكناها، أو حُبكت لنا حوله، وكلما عاوَدَنا المطرُ في أوقاتنا الحاضرة؛ رجعنا بعيدا نحو ذاك الماضي؛ نهفو لطفولتنا، ولصفائها الذي يشبه الحلم، فإذا ما توقفت زخات هذا المطر؛ صحونا على واقع مُفعم برومانسية الشوق والحنين لجزءٍ منا غائبٍ في طيّات التاريخ.

للمطر لغة رومانسية، تتقاذفُ الروحَ في اتجاهين، أحدهما: العذوبة، والآخر: العذاب! وأكثرها رومانسيةً ما جمع الاثنين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .