+A
A-

بعد تقرير قنص متظاهري العراق.. تخوف من غضب مضاعف

بعد أن كشف تقرير لجنة التحقيق حول الاضطرابات الأخيرة التي شهدها العراق، والتي أودت بحياة 157 شخصاً، أن ما يقرب من 70‎% من الإصابات استهدفت الرأس والصدر، سادت حالة من الاستياء وخيبة الأمل بين الأحزاب السياسية المختلفة والنشطاء السياسيين لعدم تطرق التقرير إلى ذكر المسؤولين عن عمليات القتل الممنهجة، محذرين من تحركات مضاعفة لما شهدته البلاد بداية الشهر الحالي.

وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربية.نت" أن هناك حالة من الترقب والخوف في العاصمة العراقية بغداد يصاحبها إقبال كثيف من العائلات البغدادية إلى محال التسوق، تحسباً من وقوع طارئ في يوم التظاهرات التي حددت في 25 الحالي مع استعدادات لقطع الطرق بين المحافظات.

وأحصت اللجنة الحكومية العراقية المكلفة بالتحقيق في هذه الاضطرابات مقتل 149 مدنياً و8 من عناصر الأمن وإصابة 4207 متظاهرين، و1287 منتسباً أمنياً. وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن استخدمت "القوة المفرطة والرصاص الحي" لقمع المتظاهرين ما تسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين في محافظة بغداد والمحافظات الأخرى.

كما أقر التقرير بـ"عدم وجود ضبط نار من قبل المنتسبين"، مشيراً إلى أن "ضعف القيادة والسيطرة لبعض القادة والآمرين أدى إلى حدوث فوضى وإرباك حقيقي وعدم السيطرة على إطلاق النار العشوائي الذي جوبه به المتظاهرون.

"غضب الشعب لن يهدأ"

في المقابل، وصفت أحزاب سياسية ونشطاء عراقيون التقرير بمحاولة مخيبة للآمال لتهدئة الغضب الشعبي العارم على حساب أرواح الضحايا الذين سقطوا لا لشيء سوى للمطالبة بالحقوق المشروعة لهم. مع الإشارة إلى أن لجنة وزارية كلفت من قبل الحكومة العراقية للتحقيق في مقتل عشرات المتظاهرين وجرح الآلاف خلال أيام الاحتجاجات التي خرجت ضد الفساد والخدمات والتي انطلقت في الأول من أكتوبر واستمرت لمدة ستة أيام.

وعلق وزير الموارد المائية الأسبق، محسن الشمري، على التقرير الحكومي لـ"العربية.نت"، قائلاً: "إنه مليء بالثغرات ويثير علامات استفهام كبيرة، ولم يحقق رغبات ذوي الضحايا بكشف الجناة ولم يعطِ أجوبة طالبت بها المرجعية، مؤكداً أنه سيولد تظاهرات شديدة وغاضبة وأضعاف ما كانت عليه في بداية تشرين الأول الحالي".

في حين أصدر تيار الحكمة بياناً الثلاثاء ذكر فيه أنه راقب باهتمام وقلق بالغين مخرجات التقرير النهائي الذي صدر عن اللجنة، مبدياً تحفظه الكامل على تلك "التوصيات المرتبكة التي أعلنها التقرير والذي ابتعد عن المسار الذي رسمته المرجعية العليا ولم يعالج الإشكاليات والتجاوزات التي اعترف بها الجميع في هذا المفصل الدقيق من عمر العراق والعملية السياسية".

مظاهرات العراق رويترز 4 أكتوبر

كما أكد أن التقرير الصادر "لم يكن بمستوى الأحداث والانتهاكات ولا بمستوى انتظار الشعب لنتائجه المرجوة ولم يلبِ طموح عوائل الشهداء والمواطنين والرأي العام". وأضاف أن "التقرير يعطي رسالةً سلبيةً للقوى الأمنية التي قدمت التضحيات من أجل حماية الشعب وحقوقه الوطنية المشروعة". وأضاف: "إن التقرير لم يحدد الجهة التي أصدرت أوامر القنص والقتل والاعتداء، مع أن المخرجات ذكرت بأن ما جرى كان عملاً منظماً من دون ذكر مَنْ قاموا به ووقفوا خلفه".

"تقرير بائس لجريمة نظام فاسد بحق شعب أعزل"

من جانبه، قال الأكاديمي العراقي، حامد الصراف، لـ"لعربية.نت" إن "التقرير الحكومي هو تقرير بائس لجريمة نظام فاسد بحق شعب أعزل، وتزييف لحقائق وقعت أمام أنظار وسماع العالم أجمع، وتضمن التقرير تحليلاً سطحياً للأسباب غير الحقيقية الكامنة وراء عمليات القتل المتعمد بالتصويب بالرأس والقلب، رغم حجم المأساة التي تعرض لها الشباب المسالمون الذين خرجوا للمطالبة بأبسط حقوقهم في حياة حرة كريمة بتوفير فرص العمل والخدمات الضرورية والسكن ومستلزمات المعيشة الطبيعية".

وأضاف الصراف أنه "بعد كل ما حدث وما أثير على الحكومة والميليشيات والحشد والفصائل المسلحة خارج الشرعية الدستورية والقانونية من نقمة شعبية وطنية وضغوط دولية بضرورة كشف الحقائق، إلا أن التقرير النهائي للتحقيقات جاء مخيباً للآمال، تماماً في تشخيص وتحديد الفاعل الحقيقي على الأقل بما ينسجم مع ما تم التقاطه في ميدان التظاهرات وتصويره أو مشاهدته من قبل المنتفضين والإعلاميين مع الأخذ بعين الاعتبار مستلزمات أي تحقيق وأهدافه للوصول إلى تحديد المسؤولين المباشرين عن إصدار أوامر القتل والمنفذين الحقيقيين لهذه الجريمة البشعة والكشف عن هوية الملثمين والقناصين وحملة الأسلحة النارية خارج مجاميع الجيش والشرطة، وبشكل علني وهستيري ضد المتظاهرين".

كما أشار إلى أن إعفاء الضباط من منتسبي الشرطة والجيش لا يعني معاقبتهم على ما ارتكبتوه من جرائم، لذا لابد من محاكمة ومعاقبة الضباط المدانين في الشرطة والجيش ومن موقع المسؤولية المهنية الفردية والوظيفية، وليس باعتبارهم "كبش فداء!" لحماية السلطات العليا "الحكومة والسياسيين المشاركين معهم".

تحقيق دولي

إلى ذلك، أكد أن المسؤول الأول والأخير عما جرى هو القيادة السياسية والسلطة التنفيذية ممثلة "برئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة"، ووزراء الداخلية والدفاع ومستشار الأمن الوطني.

وأشار إلى ضرورة المطالبة بإجراء تحقيق محايد من قبل جهات دولية تعني بحقوق الإنسان باعتبار ما حدث جريمة إبادة جماعية نتيجة التعمد بالقتل والإصابات لهذه الأعداد الكبيرة وفي محافظات عراقية عديدة، منها 12 محافظة بدءاً من بغداد ومحافظات الفرات الأوسط وجنوب العراق، والتي تشكل إرادة جماهيرية لشعب ضاق ذرعاً على مدى 16 عاما من عمليات قتل على الهوية وتهجير وقمع، كلها تندرج تحت يافطة الأهداف السياسية الاجتماعية الثقافية لفرض فكر ولاية الفقيه، وبالتالي إتمام عملية هيمنة نظام الملالي الإيراني على العراق عبر أسلوب القتل والقمع لأي حراك تحرري للشعب العراقي بالأخص في الوسط الشيعي المنتفض على النقيض، مما يعتقد أولياء الأمر من عملاء إيران".

تدويل القضية

كما كشف أنهم كنخب عراقية يؤكدون على "ضرورة تدويل القضية، وذلك بمحاكمة كل الطبقة السياسية الفاسدة القابضة على السلطة ونظام المحاصصة المقيتة المدعوم من قبل الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والحشد الولائي المرتبطة بإيران، ناهيك عن فسادها وسرقة ثرواته وتدميرها للعراق، وهو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من كوارث ومآسي اجتماعية".

وقال: "إن المفصل التاريخي للأحداث سيكون يوم الجمعة 25 أكتوبر وما بعده!"، متسائلاً كيف يمكن مشاركة الحشد الولائي التابع لإيران في لجنة التحقيق الوزارية من خلال (أبو زينب اللامي)، رئيس جهاز استخبارات الحشد، كعضو في هذه اللجنة وليس متهماً بالإشراف على مجموعة القناصين القتلة؟

تقرير سطحي

من جانبها، قالت الكاتبة الصحافية، سؤدد الصالحي، إن التقرير سطحي ولم يتطرق للحقائق الفعلية، وقدم مجموعة من القادة والضباط كبش فداء لحماية القادة الفعليين الذين قاموا بإدارة ملف التظاهرات.

وتابعت: "إن سقوط أكثر من 149 قتيلا وجرح الآلاف في 8 مدن لا يدل على وقوع أخطاء فردية أو اجتهادات شخصية بل هذا دليل قاطع على أن هناك أوامر مركزية صدرت بقمع المتظاهرين وكبح جماحهم، وعلى الأقل في بغداد كان هناك قتل ممنهج واستهداف للمتظاهرين بعد مرور ساعتين من بدء التظاهرات، ووثقت فيديوهات إعدامات ميدانية وعمليات قنص وبدليل التقرير الحكومي نفسه بأن 70‎% من القتلى أصيبوا بالرأس والصدر".

"دور قاسم سليماني"

وأكدت الصالحي أن التقرير لم يأتِ على ذكر القاتل الحقيقي الذي أعطى الأوامر باستهداف المتظاهرين، ولم يأتِ على ذكر الدور الذي لعبه قاسم سليماني في قمع التظاهرات وإدارة ملف التظاهرات، ولم يأتِ على ذكر دور وزيري الداخلية والدفاع وما هو دورهما.

كما لفتت إلى أن من قام بالتحقيق في التقرير إما جاهل بأمور التحقيق، أو تعمد إخفاء الحقائق "وهذه الأمور ستسرع بسقوط عادل عبدالمهدي وحكومته وستكون حافزا لخروج المزيد من المتظاهرين، حتى الذين لم يخرجوا قبل أسابيع".

من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي حمزة مصطفى لـ"العربية.نت" إن الرفض الشعبي والنخبوي والسياسي من بعض الأطراف السياسية مقبول وطبيعي، وكان على التقرير أن يكون بمستوى الحدث، وهو لم يكن كذلك والتقرير جاء بمجمل ما حصل شارحا مواضيع نحن نعرفها كأعداد القتلى والجرحى، أما مسالة تحميل مسؤولية لبعض القيادات العسكرية فهي جاءت بطريقة الإعفاء والذي لا يزال ملتبساً، هل إعفاء من المسؤولية ومن ثم إحالة إلى القضاء، أم إعفاء من المسؤولية فقط".

تغييب للحقائق

من جانبه، أصدر المرصد العراقي لحقوق الإنسان بيانا دعا فيه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى إعادة النظر بالتحقيق في التقرير الحكومي، الذي ظهر مُخيباً للآمال وفيه تغييب للحقائق، مشيراً إلى أن التقرير الحكومي لم ينصف الضحايا، وابتعد عن تشخيص الجناة الحقيقيين.

وأكد أن التقرير الحكومي حاول امتصاص الغضب الشعبي على حساب أرواح الضحايا، "وعلى رئيس الوزراء أن يكون له موقفاً من هذا التقرير". وقال المرصد: "لا يُمكن تصديق ما جاء في التقرير لعدم تعزيزه، وأنه كيف للضباط المتهمين أن يستمروا بإطلاق الرصاص الحي دون أن يوقفهم قادتهم؟".

وشهد العراق بدءاً من مطلع الشهر الجاري احتجاجات شعبية ضد الفساد والخدمات وتسلط الميليشيات الموالية لإيران والهدر الكبير للمال العام منذ العام 2003 والى اليوم، أدخلت البلاد في حالة كبيرة من الترقب والخوف في ظل الدعوات الشبابية والتحشيد لمظاهرات كبيرة تنطلق في 25 من أكتوبر للمطالبة بإقالة الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وتغييرات شاملة تحفظ للعراقيين حقوقهم من ضمنها الدستور.