العدد 3627
الأربعاء 19 سبتمبر 2018
banner
في الجغرافيا المستحيلة (1)
الأربعاء 19 سبتمبر 2018

ليس صعباً الافتراض بأن تركيا “ربحت” حتى الآن في إدلب، وتمكّنت من عرض “قضيّتها” بنجاح، وهذه القضية تتصل بـ “الأمن القومي” التركي، ثم بـ”المصالح” العليا المربوطة والمتأثرة حُكماً بذلك الأمن، ثم بعد ذلك (أو قبله لمن يشاء) أمكنها أن تضيء مجدداً على البعد الإنساني المغيّب والمغطّى بستار “الحرب على الإرهاب”، واستخدامه كدليل مساعد على صوابية موقفها، بل استطاعت أن تجذب، أو تعيد جذب، عواصم أوروبية فاعلة إلى صفّها انطلاقاً من التلويح بتكرار تدفّق النزوح (عبرها) إلى أوروبا.

وللمرة الأولى منذ مباشرة آلة الفتك الأسدية عملها في تدمير سوريا وتحطيم عمرانها وإعمال النكبة بأهلها، أمكن للمعطى الجغرافي أن يكون أَولى من غيره في تقرير المرحلة الراهنة من الحرب في إدلب، حيث إنّ الاستحالة لم تتأتَ من تناقض أجندات المنخرطين في هذه النكبة، وتنافر حساباتهم الأخيرة، إنما من حقيقة خضوع الجميع (مبدئياً وحتى الآن؟!) لواقع كون إدلب الجغرافية أعقد من إدلب التي تنتشر فيها جماعات مُصنّفة بأنها إرهابية، وجغرافيتها هذه لا تختصر فقط كل حالات المعارضة بعد تراجعها في سائر أنحاء “القطر الشقيق” بل تختصر على ما يبدو، تفطيس كل الردحيات والأهازيج والأفراح التي انطلقت (أو تابعت الانطلاق الذي باشرته منذ آذار 2011!) احتفالاً بـ “انتصار” بشّار الأسد على “المؤامرة الكونية”!

لهذا قد تكون إدلب نقطة انطلاق نحو بداية جديدة، بدلاً من أن تكون نقطة الخاتمة في هذه الحرب، ومفارقات وعجائب وغرائب مسار النكبة السورية في مجملها، تُبرّر هذا التأويل وتعطيه صدقية ما! وهذا في كل حال، يتلاءم ويتلاقى مع الحقيقة القائلة إن الانتصارات الفرعية في معارك كثيرة لا تعني انتصاراً في الحرب! وإن موسكو التي “انتصرت” بسهولة ميدانياً لن تستطيع أن تنتصر سياسياً! ولا أن تقرّش تقدّمها على غيرها من خلال دورها العسكري، في الخلاصة العامة المتّصلة بمصير سوريا وشكل نظامها وطبيعة “التسوية” المفترضة.

وما أصاب إيران سيصيب روسيا: في اللحظة التي افترضت قيادة “مسيرة الفتوحات والأمجاد” في طهران أنها صارت في ربع الساعة الأخير من الحرب وأن “انتصارها” محتّم، جاءتها أنباء ورياح معاكسة! وتبيّن لها أن الورقة الماسيّة (السورية) في يدها صارت أو تكاد جمرة حارقة، ورميها من اليد شرط سلامة الجسد كله! ودورها ونفوذها في هذه المساحة الجيوسياسية جزء من أهداف مطلوب تحقيقها لإعادتها إلى حدودها، وضبضبة انفلاشها، وقصقصة أظافرها الطويلة من اليمن (السعيد!) إلى شواطئ المتوسط!

بدلاً من أن تكون سوريا “ورقة” مساومة ومنصّة نفوذ لإيران، صارت أحد عناوين استهدافها في الخارج، وأحد شروط الكفّ عن استهدافها في الداخل مباشرة وإن كان ذلك يتم على الناعم من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية والدبلوماسية. “المستقبل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية