+A
A-

من عام 1825 وحتى 2018.. 14 أزمة مالية ضربت العالم

خلال نحو 193 عاماً وتحديداً منذ العام 1825 وحتى عام 2018 هناك 14 أزمة مالية ضربت العالم.

البداية كانت عام 1825 حينما شهدت بريطانيا البلد الرأسمالي الأكثر تطوراً ظهور أول أزمة اقتصادية، وأعقبتها أزمة عام 1836 التي شملت الولايات المتحدة الأميركية، ثم أزمة عام 1847 التي أثرت على بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

وفي عام 1857 اتخذت الأزمات الاقتصادية طابعاً عالمياً شملت جميع الدول الرأسمالية المتقدمة، وبعد ذلك توالت الأزمات خلال أعوام 1866، 1873، 1882، 1890، 1900، 1920 ثم 1921 على التوالي.

وبعد ذلك ظهرت الأزمة العالمية الكبرى التي بدأت في خريف 1929 وامتدت حتى 1933، وظهرت في الولايات المتحدة التي كانت في تلك الحقبة أقوى دولة رأسمالية في العالم وزعيمة العالم الرأسمالي ثم شملت العالم الرأسمالي كله.

البداية مختلفة

كانت هذه الأزمة تختلف عن الأزمات السابقة، حيث كانت أوروبا هي مصدراً لمعظم الأزمات الاقتصادية السابقة لكنها تحولت إلى الولايات المتحدة الأميركية ويعود ذلك إلى الازدهار الكبير الذي شهده اقتصادها عقب الحرب العالمية الأولى، ثم انتقلت آثارها بعد ذلك إلى أوروبا ثم إلى جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الوقت كانت الصناعات الأوروبية متوقفة لدواعي الحرب، واستثمرت أميركا هذه الفرصة وأحرزت تقدماً سريعاً في جميع الأسواق العالمية والأوروبية ما تسبب في ارتفاع الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة خلال سنوات قليلة بنحو 70%، ولكن تلك الأسواق أغلقت في وجه المنتجات الأميركية منذ عام 1925 بعد أن تمكنت الدول الأوروبية من استعادة قدرتها الإنتاجية التي كانت عليها قبل الحرب، ما أدى إلى انخفاض نسبة الصادرات الأميركية فصار الاقتصاد الأميركي يعاني من آثار الانكماش الاقتصادي.

وبدون حكمة حاولت الولايات المتحدة الأميركية معالجة هذا الوضع عن طريق توسع الائتمان، فوضعت مصارفها اعتمادات ضخمة تحت تصرف المنتجين والمستهلكين الأميركيين وتمكنت من إزاحة آثار الانكماش وقتياً. لكن التوسع الكبير في القروض قصيرة الأجل زاد من الإقبال على شراء الأسهم ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في سوق الأوراق المالية، وارتفعت حدة المضاربة على الأسهم، وتضاعف سعر الأراضي والعقارات، لكن مع حدوث تصحيح طبيعي بدأت الأزمة تتفاقم.

تزامن ذلك مع ورود أخبار سيئة من الخارج منها إفلاس شركة تأمين ألمانية. وفي 29 نوفمبر 1929، بدأت سوق الأوراق المالية في نيويورك مرحلة الانهيار بعد بيع نحو 16 مليون سهم في جلسة واحدة، ومع حالة الهلع قام حملة الأسهم بسحب مدخراتهم من المصارف، ما أدى إلى انتقال الأزمة من البورصة إلى المصارف.

أزمة 1997

أما أزمة 1997 فقد بدأت من تايلاند، عندما تراجعت عملتها بنسب عنيفة وغير متوقعة، لينتشر الفزع إلى الدول الأسيوية المجاورة لينتج عن هذا تراجع باقي العملات الأسيوية مثل الروبية الإندونيسية والوون الكوري الجنوبي بجانب الرينغيت ساك الماليزي، ليؤدي هذا إلى انهيار أسواق المال الأسيوية وتأخذ الأزمة شكلا عالمياً انهار على أثرها سعر برميل النفط ليصل إلى 8 دولارات في نهايات عام 1998 وهو ما أدى إلى حدوث أزمة أخرى بين الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك.

وقد أخفى النمو الاقتصادي الكبير الذي حققه الاقتصاد الأسيوي في عام 1997 التأثير السلبي لسياسة الإقراض الخاطئ بالنسبة للمصارف، وعندما أظهرت الأزمة عدم قدرة البنوك المركزية الأسيوية في السيطرة على الأمور ومنع السقوط المدوي في قيم عملاتها، قامت الشركات الأجنبية بسحب رؤوس أموالها ونقلها إلى استثمارات جديدة في بلاد جديدة.

ونتيجة لذلك تراجع الطلب على العملات الأسيوية وهو ما عمل على انخفاض قيمها أمام الدولار الأميركي، فقد انخفضت عملة اندونيسيا بنسبة 84% وعملت كورية الجنوبية بنسبة 41% وعملة تايلاند بنسبة 38% خلال الفترة من يونيو 1997 وحتى يونيو 1998.

ومع هذا الانهيار في قيم العملات الأسيوية قامت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة للعمل على منع العملات من الانخفاض أكثر والتقليل من خروج الأرصدة بشكل كبير من البلاد. ومع الارتفاع في معدلات الفائدة انعكس هذا بشكل واضح على معدلات النمو الاقتصادي التي بدأت تتراجع في البلدان الأسيوية مع استمرار الاستثمارات من الخروج من البلاد واستمرار أسعار الفائدة في الارتفاع، وهو ما أثر على معدلات الثقة في الجبهة الداخلية للبلاد في قدرة البنوك المركزية والحكومات على مواجهة الانهيار في قيمة العملات ومعدلات النمو في مختلفة القطاعات الاقتصادية.

الرهن العقاري في 2008

أما الأزمة الأخيرة فقد اندلعت في سبتمبر 2008، وبدأت من الولايات المتحدة الأميركية. وربما كانت البداية الحقيقية لهذه الأزمة خلال عام 2004 حيث عملت بنوك وول ستريت التجارية على منح قروض عالية المخاطر وكبيرة التكلفة أيضا للمواطنين الأميركيين ذوي الدخل المحدود لتشجيعهم على شراء المنازل وهو ما ساعد الشركات العقارية بالفعل على تحقيق عائدات كبيرة خلال الفترة الممتدة ما بين 2004 و بداية عام 2007.

وبفضل الإقبال الكبير على شراء العقارات والمنازل تنافست البنوك في تقديم عروض قروض مغرية بتسهيلات أكبر، كسعي منها لحصد المزيد من العملاء وتقدم البنوك المنازل بأثمان باهظة حيث تشمل سعر الفائدة فيما يمكن للفرد بتسديد ثمنها على أقساط شهرية لآجال طويلة تتراوح بين 20 إلى 30 عاماً.

وبناء على هذه المعاملة يعمل المواطن الأميركي المشتري للعقار عن طريق قرض من البنك التجاري على تقديم ضمان وهو الرهن العقاري، ويعني أن المنزل الذي اشتراه في حالة لم يستطع مستقبلا تسديد سعره كاملاً من حق المقرض بيع ملكيته المرهونة ليسترد أمواله.

وبما أن أسعار المنازل والعقارات ترتفع بشكل متواصل في هذه الفترة لم يكن ذلك مشكلة بالنسبة للسماسرة والبنوك التي تعوض عجز المقترض عن سداد تكلفة المنزل الذي اشتراه من خلال إعادة بيعه لآخر بسعر أعلى في ظل الطلب المرتفع على العقارات والذي يضمن استمرار هذا الوضع الجيد.

تسهيلات مفتوحة

ولأن المستثمرين يطمعون في تحقيق المزيد من الأرباح فقد دفعوا المؤسسات المالية إلى تقديم عروض شراء العقارات عن طريق الرهن العقاري بتسهيلات أكبر وبشكل أسرع ودون الحاجة لتوفير أي مبالغ في البداية وبوثائق أقل، وهو ما جعلها تستهدف أيضا المواطنين الفقراء ومنهم أيضا ذات السجلات الضريبية والمصرفية التي بها سوابق مثل إشهار الإفلاس، ما جعل القروض في هذه الحالة عالية المخاطر ورحب بها المستثمرون والبنوك كونهم يعوضون الخسائر بعد كل إشهار إفلاس جديد والعجز عن تسديد تكلفة العقار من خلال بيع العقار نفسه بسعر أعلى في ظل الطلب المرتفع عليه.

لكن في فبراير 2007 لم يتمكن كثير من الأميركيين الذين حصلوا على منازل من تسديد الدفعات الشهرية المنتظرة منهم وهي نتيجة منطقية لجشع البنوك التجارية التي وسعت الرهن العقاري ليكون متاحاً للفقراء دون شروط أو ضمانات أو وثائق عمل فالضمانة هي المنزل نفسه الذي ستأتي وتخرجك منه كمواطن عاجز وتبيعه.

عدم السداد والإفلاس

ومع حدوث المئات من الحالات ازدادت المنازل المعروضة للبيع وأصبح العرض أكبر من الطلب لتتراجع أسعار العقارات في الولايات المتحدة الأميركية وهو ما دفع إلى توقف كثيرين عن سداد الأقساط الشهرية، لأن ما يدفعونه أعلى بكثير مما يدفعه من حصلوا على منازل حديثاً بسبب تراجع أسعارها.

وبدأت مصارف كثيرة تعلن إفلاسها بسبب تراكم الديون عليها وانتهاء الرخاء الجنوني الذي كانت تعيشه. ورغم تدخل المصارف المركزية لدعم سوق السيولة وتدخل البنك المركزي الأميركي إلا أن أسهم البنوك والمؤسسات المالية بدأت تنهار في البورصة، والعشرات منها تشهر إفلاسها.

ثم دخلت المصارف والبنوك الأوروبية والعالمية إلى دوامة الأزمة المالية خلال 2008 حيث الكثير منها لديه أموال واستثمارات في البنوك الأميركية التي أعلنت إفلاسها، كما أنها أيضا قامت بإقراض الأموال للبنوك التجارية والاستثمارية التي شاركت في الرهن العقاري مقابل الحصول على عائدات وأرباح من تلك الصفقات.