+A
A-

التشكيلي البحريني جمال عبدالرحيم: أنا حكاية التلميذ والأستاذ!

عاش فترة شبابه مشاكساً، في حين تعلم وعَلم، بينما عززت تجارب الحياة خبراته، وكان لقرار هجرته المبكرة دور كبير في محطات مهمة خاضها وأكسبته نضجاً. ففي السبعينات، وحين قرر هذا الفتى الانتقال للعيش في الهند، كان بقرارٍ منه، ولأنه لم يكن الابن الوحيد، بل كان معه عشرة إخوة آخرين، لا بد أن تكون ردة فعل والده كأي والدٍ مكافح. يقول الفنان التشكيلي البحريني جمال عبدالرحيم، في حديث إلى “الحياة”: “ادخرت مبلغاً من المال خلال فترة عملي في البحر، إذ جمعت مبلغاً يوازي شراء منزلين في البحرين، لكن لم ترق لي الحياة، فقررت العيش بعيداً عن بلدي، متبعاً ما قاله فرويد “بعضهم يجتهد في الكتب، والبعض الآخر يتعلم من الحياة)”، وبالفعل سافرت إلى الهند وعدت منها، وخلال فترة إقامتي هناك لم أرسم إطلاقاً”.

وأضاف: “لقد أمضيت حياتي هناك في الاطلاع على كتب الثقافة والفلسفة والأديان والشعر والحضارة، وبعد عودتي إلى البحرين نويت التوجه إلى الرسم، لكنني حينها لم أكن أعرف كيف أرسم تفاحة، وكان علي حينها أن أكون أو لا أكون”. فالفن علمه كيف يوصل الكرة إلى مرماها، ما ساعده في الانشغال بعمله وطموحاته، وأوضح: “ذلك الأمر ليس له علاقة بالتمني، إنما يتطلب جهداً كبيراً للوصول نحو الأهداف المنشودة، كنت أقول بيني ونفسي من وصلوا ليسوا أفضل مني، وكنت على يقين بأنني سأنجز شيئاً ما يوماً ما، وحتى هذه اللحظة، مايزال مشروعي تجريبياً من خلال فهم قواعد اللعبة، وكذلك يستطيع أي شخص، من خلال فهمه قواعد اللعبة، أن ينجح أيضاً”. وعمل جمال موظفاً في وزارة الكهرباء، قبل أن يتفرغ للفن التشكيلي، بعد تقاعده، ويستطرد قائلاً: “عملت 20 عاماً ويوماً، وأفضل خطوة قمت بها هي التفرغ للفن، بل إنني ندمت على ضياع عمر سابق لم أتفرغ فيه للفن التشكيلي، وحين تفرغت صنعت عالمي، من خلال مشروع مرسم يتكون من ثلاث طوابق، ولأنني كان لدي هدف معين في حياتي، كان علي الوقوف على قاعدة ثابته، فأنا باحث، والفن بالنسبة لي لا حدود له، إذ أدير من منزلي في المحرق واحدة من أكبر ورش الطباعة في المنطقة، وتتغير أعمالي الفنية تبعاً لتغير فصول العام، وأخصص في فصل الصيف أعمال الطباعة، أما الشتاء فهو لأعمال النحت، وأستخدم في أعمالي مواد تتفاوت بين الغرانيت والبرونز”. وعن أعماله التي يغلب عليها طغيان المرأة، يقول: “لا يوجد أجمل من المرأة، فهي نصفي، وعملت لوحات كثيرة لجسد الرجل أيضاً، فالتشريح مسألة مهمة في الفن، فمن ليس لديه القدرة على معرفة العظام التي في يده فلن يتمكن من رسم اليد، أهم دروس الفن هو المنظور والتشريح”. ويصف جمال كل فنان مبدع “إنه يكملني، ويمكن لفنان أصغر مني أن يقف منافساً أو أشد من ذلك، وذلك لا يضيرني مطلقاً، كلنا نكمل بعضاً، أنا لا أنتظر الوسام من الآخر، بل من التاريخ، وذلك لا يعني أن الكلمة الحلوة لا تؤثر فيّ، كلا، أنا أستمد قوتي من الإنسان في الشارع، ولا أنتظر أن تخرج الكلمة من المسؤول فقط”. وزاد: “لقد بعت أولى لوحاتي بـ300 دينار، ولو وجدتها لاشتريتها من جديد، لأنها تمثل بداياتي، وما عملته في البداية أود الحفاظ عليه اليوم”. أما في خصوص السقف الأعلى للوحات التي باعها، فأشار إلى أن أسعارها تراوح بين الـ20 والـ50 ألف دولار، فيما أبان أن النحت يختلف عن الطباعة وعن الرسم، وكل عمل له قيمته، كما أفاد بأنه لا يوجد شخص معين بذاته يطمح إلى أن يقتني من لوحاته. وتابع: “تنتشر أعمالي خارج البحرين، التي أعتبرها قارة، وحصدت على الجائزة الكبرى في الطباعة بإسبانيا، وكُرمت منهم واستضافوا معرضي الخاص، كذلك تمت استضافتي في لجنة تحكيم دولية عام 1995، وأنا اليوم من يقرر المشاركة من عدمه من خلال الدعوات التي تقدم لي”. ويرى أن العطاء الفني حال لا تتوقف، طالما كان صاحبها قادراً على ذلك، “حين أكرر نفسي سأجد أن لا شيء لدي، بعضهم يعيش أربعين عاماً على لوحة واحدة لا يفعل فيها ما هو جديد سوى أنه يغير الألوان فقط، فهو يعتقد أنه يخلق أسلوباً جديداً، فيما أن عصر الأسلوب انتهى، ولا بد أن تكون كل محطة متجددة”. وعن ظاهرة اختفاء الأسماء التشكيلية نفسها، قال: “هذه ظاهرة موجودة، إلا أنه لا يصح إلا الصحيح، والمشكلة ليست في الفن التشكيلي بالبحرين، بل في العالم كله، إذ نفتقر إلى رسامين، هناك من يرغب في رسم لوحة وهو عاجز عن رسم تفاحة، فإذا كنت رساماً بارعاً، فأية خطوة تخطر في بالك ستنفذها، يقول النحات الفرنسي ودان: “من أجل أن تكون فناناً جيداً عليك أن تكون رساماً بارعاً”، والعملية اجتهاد، بمعنى أن عليك أن تكون تلميذاً ومدرساً لنفسك في آن، وأنا، بصفتي فناناً، أتعلم من حركة الواقع، فأنا جزء من المأساة والجمال، ومؤمن بأن علي أن أؤدي واجبي تجاه قدراتي وملكتي في الفن التشكيلي” بحسب الحياة اللندنية.

أحد لوحات الفنان جمال

وحين جاء الحديث عن تجارة الفن التشكيلي وتحوله إلى سلعة، تحدث بثقة قائلاً: “كل شيء تجارة وسلعه، ويدير الفن مؤسسات غير ربحية ومؤسسات تجارية، وهم يأتون بأي شخص ليصنعوا منه فناناً، ويعملون بروبغندا، بل ويعيشون فيها، وكما يقول المثل الشهير “ما في الفخ أكبر من الطير”، وهؤلاء لديهم “بزنس” معين يقومون بالتسويق له”. ولطالما كان للفن التشكيلي قدره، وثمنه رفيع، فما مصير ما تخزنه الرفوف من لوحات لا تجد لها مشترياً، وبين أن “مصيرها التوزيع على البشرية، وخلال افتتاح معرضي “حفر في الذاكرة”، وبسؤالي عن أعمالي ذكرت أني ليس لدي ما أتركه سواها، هذه هي ثروتي لبلدي، وأولادي وتاريخي والبشرية، فالعمل الفني يلعب دوراً مهما في صناعة التاريخ، إن البنايات تفنى، فيما لايزال المعري والمتنبي وسقراط حاضرين بما تركوه لنا”. أما في خصوص اللوحات التي ندم على رسمها فقال: “لم أندم على أية لوحة، وما لا يرضيني من أعمالي أدمره وأمنع ظهوره”.