العدد 2864
الأربعاء 17 أغسطس 2016
banner
حتى لا تزول النعم
الأربعاء 17 أغسطس 2016

بعد ثلاثة أيام من وصولنا هنا إلى لوس أنجلوس ونتيجة المسافة الطويلة في الجو التي امتد وقتها ست عشرة ساعة بدون توقف والضغط الجوي والاحتباس، أصيبت ابنتي بزكام عادي جداً كالذي نتعالج عنه في مراكزنا الصحية ببعض المسكنات والمضادات الحيوية، ذهبنا الى مستشفى عام يتعالج فيه عامة الأميركيين العاديين وكان يغص بأعداد هائلة من المراجعين، المهم وباختصار شديد بعد الفحص العادي الذي لم يستغرق سوى خمس دقائق وكان عبارة عن قياس الضغط وبضعة أسئلة روتينية ذهبنا لشباك الدفع وكان المبلغ الذي كلفته الدقائق الروتينة أكثر من 400 دولار أي ما يزيد على 150 دينارا بحرينيا، جميع الذين سبقونا من الأميركيين ممن لا يملكون تأمينا دفعوا مثل هذه المبالغ وأكثر بكثير وعلى وجوههم المرض وقد ازداد بسبب قصف الفاتورة. ما الذي استنتجته من هذه الزيارة القصيرة الطويلة في ذات الوقت؟ المجتمعات الغربية لا ترحم فيما يتعلق بالخدمات حتى لو كانت تتعلق بصحة الإنسان في هذه المجتمعات وخصوصا الأميركية، لأننا وللحقيقة عندما كنا ببريطانيا قبل سنة مررنا بنفس الظرف وتم العلاج وصرف الدواء مجانا بمستشفى كينغستون لندن، عكس هذه المرة بالولايات المتحدة رأيت وجوه المرضى تتضاعف معاناتها بعد إخراج محافظ نقودهم أو بطاقاتهم الائتمانية، شعرت لحظتها بغبطة ونحن نعيش في البحرين طوال هذه السنين ونتلقى كل الوان العلاجات من أصغرها حتى أخطرها في ارقى المستشفيات كمستشفى الملك حمد والعسكري والسلمانية والمراكز الصحية من دون أن ندفع فلساً واحداً، وتتوزع هذه العلاجات بين الولادة والعمليات الجراحية المختلفة والأورام والسكلر وغيرها وقاكم الله شرها، بوسائل عصرية وأجهزة أحدث مما رأيناها هنا في المستشفيات الغربية وفوق ذلك تصرف الأدوية  الأصلية المكلفة، كل ذلك تتحمله الدولة عن المواطن والمقيم الذي يستفيد من هذه الخدمات على حساب ميزانية الدولة. أعرف أن الدول الغربية هذا نظامها وهذه تقاليدها ووسائلها منذ عقود، لكن سؤالي الملح هو: متى ندرك نحن شعوب المنطقة حقيقة هذه النعمة الخالدة التي نغرف منها منذ عقود أيضاً لنقدر ونحمد هذه النعمة التي لو رأينا من حرم منها في المجتمعات الأخرى لأصبنا بالصدمة، لا نلوم المجتمعات الفقيرة ولا المجتمعات التي مزقتها الحروب والثورات الدمرة ولكن حتى المجتمعات الغنية التي تفوقنا ثراء لا يتوفر فيها هذا النظام الإنساني والحضاري الذي تعترف فيه الدولة بحق الانسان في العلاج المجاني دون إذلال، كتلك الصور المخجلة التي نراها في الكثير من الدول حينما يعجز الإنسان عن تلقي العلاج وربما يدفن في مكانه إذا لم تتوفر لديه تكلفة العلاج.
إن من يملك النعمة عادة لا يشعر بها، ومن يملك النعمة ويفقدها يتحسر عليها وها نحن والحمدلله نملك النعمة ونرى بأم أعيننا كيف تعاني المجتمعات الأخرى من حولنا من الفقر والإذلال والمرض والتشرد وفقدان الأمن والاستقرار ومع ذلك هناك منا من لا يستشعر هذه النعمة ولا يدافع عنها للحفاظ على ديمومتها. عندما نتأمل اليوم حال العالم وما يجري فيه من عواصف ورياح وتغييرات دراماتيكية كلها سلبية نتيجة جهل الشعوب وجريها وراء خرافات الثورات الدموية والمغامرات والصراعات واللعب بمصير الدول، عندما نتأمل كل ذلك ونتائجها على حال هذه الشعوب التي جلبت لنفسها هذه الآلام والمآسي بسبب تضليلها بشعارت حقوق الانسان والديمقراطية الدمرة كل ذلك جلب لها الدمار وأفقدها النعمة والخيرات التي كانت تملكها، من هنا أقول لنحفظ النعم لأنها زائلة ونتمسك بأمننا واستقرارنا لأنه الرصيد الذي إن فقدناه عشنا لا قدر الله كالخراف الضالة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .