العدد 2809
الخميس 23 يونيو 2016
banner
إيران والقتال على أرض الفلوجة (3)
الخميس 23 يونيو 2016

إن تحييد الحشد الشعبي عن دخول الفلوجة يشكل تحدياً لحكومة العبادي والقوى السياسية كافة، وكذلك الولايات المتحدة. فالمدينة سنية والحشد العشائري المشارك في الحملة لا يقارن عديده بالميليشيات الشيعية. وفي ذاكرة العراقيين تجارب مريرة بعد تحرير الميليشيات نواحي من “داعش” قبل نحو سنة. فقد كان نصيب تكريت بعد استعادتها تهجيراً وإحراقاً لمنازل بعد نهبها. ولا ضمانات فعلية لعدم تكرار هذا السيناريو في الفلوجة. وحذرت دوائر أميركية من أن يؤدي الجو السياسي المحموم المحيط بالمعركة في ظل الصراع، إلى تعميق الانقسامات السياسية والمذهبية التي يستحيل بعدها رتق الفتوق في وحدة العراق. وعندها لن تكون واشنطن بمنأى عن تحمل تداعيات ما قد يحدث، ليضاف هذا الأمر إلى سجل إخفاقاتها وأخطائها المميتة في بلاد الرافدين، أو بمنأى عن غضب قوى إقليمية عربية لم تعد تثق كثيراً بإدارة الرئيس باراك أوباما. لذلك يبقى الأهم من تحرير المدينة هو إعداد القوة التي ستملأ الفراغ الذي سيخلفه تحريرها.
السبب الثاني ان إيران لا تريد تكرار نموذج تحرير مدينتي الرمادي والرطبة حيث عد الأمر نجاحا للجيش العراقي الذي التأم وطنيا وأعادت تدريبه وتسليحه الولايات المتحدة بعيدا عن رعاية ايران، فقوة الجيش العراقي الوطني المكوّن من جميع الطوائف هو اضعاف لنفوذها وإشارة الى احتمال الاستغناء في المستقبل عن خدماتها العسكرية وهو ما تخشى منه ايران بشدة. أما السبب الثالث، فيكمن في عدم استعجال ايران الحسم ضدّ داعش في العراق، لأنه سوف ينعكس انهيارا سريعا لها في سوريا مقابل فصائل الجيش السوري الحرّ التي ستتفرغ لمقاتلة نظام بشار الأسد والذي سوف يرى نفسه فاقدا لكل مقومات استمراره بعد تقديم نفسه للعالم انه المحارب الأول للارهاب.
في الواقع، يتبيّن من خلال معركة الفلّوجة أن داعش في العراق حاجة إيرانية، مثلما أن داعش في سوريا حاجة لنظام بشّار الأسد. استغلت إيران داعش إلى أبعد حدود في مرحلة تمدّده في العراق، بما في ذلك سيطرته على الموصل في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها غامضة. فعلت ذلك للدفع في اتجاه ترسيخ الشرخ المذهبي الشيعي-السنّي. واستغل بشار الأسد تمدّد داعش في سوريا لتصوير الحرب التي يشنّها بدعم إيراني وروسي على الشعب السوري بأنّها حرب على الإرهاب.
يبدو تنظيم داعش في العراق حاجة إيرانية أكثر من أي وقت هذه الأيّام. كان داعش أكثر من ضروري لتصوير المحافظات التي فيها أكثرية سنية بأنّها أوكار للإرهاب والإرهابيين. تحت شعار تطهير هذه المحافظات من داعش، نفّذ الحشد الشعبي سلسلة من عمليات التطهير المذهبي صبّت في مصلحة إيران الساعية إلى اضعاف العراق، ومعه سوريا في الوقت ذاته. لم يعد سرّا أن طبيعة بغداد تغيّرت. كانت بغداد مدينة لا فارق فيها بين سنّي وشيعي ومسيحي. صارت الآن مدينة مختلفة تماما.
إن إضفاء البعد المذهبي كما الدخول الإيراني على معركة القضاء على داعش، يكشف الدور الإيراني في العراق، أي الدور الذي يزيد من ترسيخ الهويات المذهبية أولا، وقد نجح نسبيا، لكن هذا الخيار الذي لم يزعج الإدارة الأميركية وسياستها في العراق، إلا من زاوية حجم الدخول الإيراني، لا من زاوية وجوده، فالرئيس الأميركي أقرّ في أكثر من مناسبة، وقالها بصريح العبارة لزعماء دول الخليج إن عليهم أن يتآلفوا مع فكرة نفوذ إيران في المنطقة العربية. بصمة قاسم سليماني في الفلوجة لن تمحى بسهولة رغم محاولات رئيس الحكومة حيدر العبادي الرد على هذا الحضور، لقد أطلق سليماني رصاصة الحياة لتنظيم داعش ووضع عمليا، المكون السني في الفلوجة بين خيارين، أن يختاروه أو أن يختاروا داعش.
ليظل السؤال الكبير الذي يظل يحوم، وماذا بعد الفلوجة؟ وكيف ستدار هذه المناطق؟ وأين نضع ذلك على خريطة السياسة العراقية الجديدة؟ ودائما كانت الخشية هل سيبقى العراق موحدا؟ وهو سؤال سبق لغراهام فولر المقرب من الـ CIA (السي، آي، أيه) أن طرحه في إطار تقرير موسع إلى مؤسسة (راند – Rand)، وذلك بعد الحرب الأميركية على العراق في العام 1991، وبعد فرض الحصار والعمل على تفتيت الدولة من داخلها، جاء الغزو الأميركي ليؤسس لعملية سياسية شوهاء على أساس مذهبي وإثني، قاد إلى صراعات ومناخات محمومة، فظهر مشروع جو بايدن الذي قسم العراق إلى ثلاث فيدراليات ووضع حدودا وهويات أقرب إلى جوازات سفر بينها، أي قربها من “دويلات” توشك على الانفصال، حتى وإن بقي العراق شكليا موحدا، ويجري الحديث اليوم، وخصوصا ما بعد داعش عن المشروع في إطار إعادة التركيب. من ينتصر في الفلوجة إذا؟ إذا هُزم داعش وانتصر التقسيم، فسيكون داعش منتصرا أيضا، وإذا هزم داعش وانتصرت الطائفية، فسيكون داعش منتصرا، وإذا هُزم داعش وانتصر التمايز الإثني، أي ذيول الحرب على داعش في ديالى وكركوك وحزام بغداد والموصل، سيكون داعش هو المنتصر. وإذا هُزم داعش واستمر حال العراق على ما هو عليه؛ نصفه للأميركيين ونصفه الآخر للإيرانيين، سيكون داعش ومشروعه التدميري التكفيري التقسيمي هو المنتصر، وتلك هي الكأس المرة التي يُراد للشعب العراقي تجرعها وتكريس ما هو قائم، بجعل الأمر الواقع “واقعا”!.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية