العدد 294
الثلاثاء 04 أغسطس 2009
banner
هتلر وليبرمان... والأنفلونزا
الجمعة 26 أبريل 2024

“ إن صدام واحد للحضارات ، إذا قـُدر لنا أن نبقى بعده على قيد الحياة سوف يمحو كل ما بنته البشرية وسوف يمتد تأثيره إلى أجيال قادمة . وقد حدث هذا من قبل .. فقد انتهت أول موجة عولمة كبيرة في بداية القرن العشرين بخنادق مشبعة بالدم في أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى، ولابد أن نتذكر أنه قبل أغسطس من عام 1914 ، كانت العولمة ومسيرة العلم تأخذ الشكل التي هي عليه اليوم. وقامت الحرب العالمية بقسوتها  بسبب عدم الثقة وبسبب فشل المؤسسات الأوروبية . وفي أعقابها ظهرت البلشفية ، وفي عام 1919 ظهرت الأنفلونزا الوبائية والكساد العظيم ، وظهور هتلر، والحرب الأهلية الصينية والمحرقة (الهولوكوست)” .
عندما قرأتُ هذه الفقرة السابقة من كتاب يسمى “كومنولث” للكاتب الأمريكي العظيم “جيفري ساتشز” المنشور في عام 2008، وجدتُ تشابهاً عجيباً بين عام 1919 و 2009 . فأنهار الدم التي تدفقت قبل عام 1919 في أوروبا قد تدفق مثلها وأكثر في العراق وأفغانستان وغيرهما.
فعام 2009 جاء أيضاً بهولوكوست ولكن الهولوكوست هذه المرة كانت لأهالي غزة ، وجاءت الأزمة المالية وأنفلونزا الخنازير وأفيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل ومعه الطاعون والكوليرا. وكأن وباء الأنفلونزا تحديداً مرتبط بالعولمة ومرتبطٌ بمجيء شخصيات من نوع خاص للعالم، فأنفلونزا هذا العام صحبها أفيجدور ليبرمان، وأنفلونزا 1919 صحبها هتلر! 
ولكن هناك فروق بلا شك بين الحقبة التي تحدث عنها الكاتب وما قبلها وما بعدها، وبين الحقبة التي نعيشها حالياً، فالدماء التي امتلأت بها الخنادق في أوروبا في تلك الفترة كانت دماء لأبناء دول جمع بينها الدين الواحد تقريباً وجمعت بينها الرغبة في الحرب وجمع بينها جنون القادة الذي استجاب لجنون هتلر واستعلائه، أما الفترة التي نعيشها نحن 2009 وما قبلها وما بعدها ، فكل الدماء التي أريقت فيها دماء إسلامية وعربية على يدي هتلر هذا الزمان “جورج دبلو بوش” والمحافظين الجدد.
وإذا كانت الهولوكوست الأولى قد نـُفذت ضد فئة كانت مكروهة من العالم كله لأسباب معروفة وعلى خلفية البروتوكولات التي ذاعت آنذاك، فإن المحرقة التي وقعت في أيامنا ( محرقة غزة) كانت ضد عزل أبرياء ، أحتلت أرضهم وحوصروا ومنعوا من حقهم في الحياة الكريمة ، لم يصنعوا بروتوكولات ، ولم يخططوا لخراب العالم.
وثمة فرق آخر وهو أن ضحايا المحرقة الأولى كان قادتهم يخططون لإلحاق الأذى بغيرهم ، أما ضحايا المحرقة الثانية فقادتهم يخططون لإلحاق الأذى ببعضهم البعض.
وهناك فرق ٌ آخر غير هام وهو أن عيني “أفيجدور ليبرمان” بها من الوحشية والحقد والشر ما يفوق كل شرور النازيين والمحافظين الجدد مجتمعين . وهناك فرق آخر وهو أن هتلر انتحر ولكن جورج دبليو بوش لم ينتحر بعد.
وهناك فرق آخر تذكرته بعد أن انتهيت من كتابة هذه المادة ، وهو أنني أصبحت أكره الرقم “تسعة” ، أو كما يسميه إخواننا السودانيين “ تزعة” لأنه ورد مرتين في العام ألف وتزعومية وتزعتاعشر وورد مرة في ألفين وتزعة!


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .