العدد 2516
الجمعة 04 سبتمبر 2015
banner
تاريخ أبيض وواقع معتم أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 04 سبتمبر 2015

كثيرون يرون في استرجاع التاريخ ومحاولة التنقيب فيه مجرد بكاء على اللبن المسكوب، فالتاريخ مضى بمن فيه ومن عليه ولن يعود – حسب ما يقولون – ولا فائدة من البكاء عل اللبن بعد ان انسكب، إلا أن هناك الكثيرين – وأنا منهم – يرون في التاريخ ترابطا وثيقا مع الحاضر والمستقبل، فالتاريخ ذاكرة الأمم، ومن ليست ليده ذاكرة يكون فكره مشتتا وغير قادر على الوصول إلى قرار في أية قضية أمامه، كون الذاكرة هي التي من خلالها يمكن للمرء أن يربط كل مصادر المعرفة لديه وبالتالي يستطيع فهم واقعه والعمل من خلاله.
لن نذهب إلى ذي قار التي كانت رمزا للكرامة العربية في وجه القوة العظمى في ذلك الوقت “فارس” وكيف حافظ العرب على كرامتهم وعزتهم بعدم الخضوع لتلك القوة والوقوف أمامها وهزيمتها في تلك المعركة، بل نعود إلى ما بعد ذلك ونمر عليه سريعا من خلال ما فعله العرب تحت راية الإسلام وكيف سارت جموعهم من بلد إلى بلد فاتحة وناشرة للإسلاموكيف استطاع العرب هزيمة أكبر قوتين في ذلك الوقت: الفرس والروم وكانت حينها العراق البوابة الشرقية للأمة والمانعة لها من الغزاة القادمين من الشرق (ولكنها تحولت اليوم إلى المدخل والبوابة المفتحة التي من خلالها يلج أعداء الأمة)، وكانت الشام هي بوابتها الشمالية التي من خلالها عبرت إلى الشمال، ناهيك عن مصر بعد دخولها الإسلام وكيف كانت محطة الانطلاق لنشر الدين في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وحتى حدود فرنسا، كل ذلك كان يحدث من قبل العرب الذين رفعوا راية الدين عندما كانوا أعزاء عند أنفسهم وأمام غيرهم من اعدائهم .
كانت قوافل العرب تسير في كل اتجاه يسبقها صيتها وتهابها الأمم وتطلب ودها (كما فعل ملك انجلترا حين أرسل إلى خليفة المسلمين في الأندلس يرجو منه التكرم بتعليم بعض ابنائه من العلم الذي لدى العرب ويخاطبه كذليل عندما يخاطب عزيزا)، فما الذي حدث لتنتكس قوافل العرب من قوافل غزو وفتح إلى قوافل إذلال تتجه إلى أوروبا كما نراها اليوم على الشاشة البيضاء، ألوف مؤلفة من العرب تسير على الأقدام في ذل ما بعده ذل أن ضاقت بها أرض العرب فتوجهت إلى ارض أوروبا تطلب الأمن والأمان المفقود عندها، والمصيبة أن أكثر ما نراه هم من الشباب القادرين على الدفاع عن أرضهم أكثر من الغير، ومع ذلك هانت عليهم انفسهم كما هانت تلك الأنفس عند أشقائهم من العرب فتركوهم يهيمون على وجوههم ويسيرون على الأقدام وتذلهم الدول الأوروبية ويبيتون رجالا ونساء وأطفالا في العراء يتصدق عليهم بعض أبناء أوروبا بالزاد والماء .
لقد تحولنا من امة تنشد ودها ورضاها باقي الأمم إلى أمة تتقاذفها الأمم وترفضها وتدوسها، بل تنفر منها وكأنها أمة موبوءة أو مجذومة، من أمة تنشر الأمن في كل أرض تطأها أقادم أبنائها إلى امة يفقد أبناؤها الأمن على أرضهم، من أمة تعطي الآخرين إلى أمة تتسول من الآخرين، من أمة تنشر العلم من حولها إلى امة غارقة في الجهل والتخلف، فما الذي رفعها في السابق وما الذي أنزلها في الحاضر؟
تحدث الكثيرون وبحثوا ونقبوا عن الأسباب فأصاب الكثير منهم وأخطا آخرون، كل حسب فهمه وما في نفسه، ولكن ربما يكون أهم سبب أنها كانت أمة يقف او يتربع على قمتها أناس نسوا انفسهم وتذكروا أمتهم، ثم تحولت إلى امة يتربع على قمتها اناس عاشوا ذواتهم ونسوا أمتهم، والسبب في ذلك الشعوب ذاتها التي سكتت عن كل ذلك.
وبالمناسبة، ما نراه اليوم من بذخ غير منطقي ومجهول السبب عند الكثيرين، بذخ في أوروبا يمارسه بعض من يملك بدون أن ينتج ويسيء لنا أكثر من إساءته لنفسه، شباب يتباهون بما حصلوا عليه بدون تعب ويوقدون سياراتهم الفارهة في شوارع أوروبا وهم أشد جهلا من الجهل ذاته، هؤلاء ومن حولهم وما يحمولنه من فكر هم جزء من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .