العدد 2512
الإثنين 31 أغسطس 2015
banner
هذه ليست مجرد أرقام أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الإثنين 31 أغسطس 2015

تقول الأمم المتحدة إن أكثر من مئتي ألف قتيل سقطوا في سوريا خلال الحرب الدائرة منذ أكثر من أربع سنوات أي ما يقارب 155 قتيلا يوميا، ومعهم مليون جريح بمعنى سقوط أكثر من 600 جريح يوميا، ونزح من منزله أكثر من أو ما يقارب سبعة ملايين إنسان ترك منزله ويعيش بلا مأوى على أرضه وداخل وطنه، وأخيرا – حسب الأمم المتحدة – أربعة ملايين لاجئ تركوا وطنهم ويهيمون في الأرض بحثا عن مأوى ما بين البلاد المجاورة أو في أوروبا التي كان قادة بعض دولها من أسباب ما يجري في سوريا ويواجهون الموت الذي هربوا منه في وطنهم، أي أحد عشر مليونا من البشر بلا مأوى بعد خروجهم من وطنهم سوريا وهو ما يشكل نصف الشعب العربي تقريبا.
كثر يقرأونها كأرقام وكثر منا قد لا يضعونها في موضعها الاجتماعي والسياسي الصحيح فيمرون عليها مرورا بلا توقف ولا تمعن أو محاولة للفهم، كيف حدث ذلك؟ ولماذا يحدث عندنا وعلى أرضنا العربية – فتلك الأرقام في سوريا فقط ناهيك عن البلاد العربية الأخرى؟ وما النتيجة التي سنصل إليها أو يريد أن يُوصِلُنا إليها من ساهم في كل ذلك - عربا كانوا أو غير عرب؟
عندما نسأل لماذا وكيف، تمر بذاكرتنا اللجنة العسكرية التي بعثت بها الجامعة العربية في بداية الأحداث السورية، والتي تقصت حقائق ما يجري، وزارت الكثير من المواقع في سوريا وحاولت رسم خارطة للأحداث هناك، كما حاولت رسم طريق للخروج منه واقتراح سبل لذلك الخروج، وتحدثت في تقريرها عن بداية ظهور التنظيمات المتطرفة وممارساتها وكيف يمكن وأد نموها، فما الذي حدث؟
الذي حدث أن الجامعة العربية وبضغط من دول وضعت التقرير على الرف، بل وهاجمت رئيس اللجنة السوداني لأن هذه الدول الضاغطة اعتقدت أن اللجنة ورئيسها يقفان مع النظام السوري، وهي – أي هذه الدول – تريد هيمنة العدو الصهيوني على المنطقة، ناهيك عن تلك الأرقام المهولة من الخسائر في البشر والحجر والتخلف التي ارتدت إليه الدولة العربية السورية.
لذلك أيقنت الأنظمة العربية حاليا وبعد كل تلك الخسائر أن الحل الوحيد للمشكلة أو الكارثة في سوريا هو حل سياسي، ولكن ذلك يأتي بعد خراب البصرة، وفهمت أن ما يحدث يتجاوز النظام السوري بكثير بالرغم من ممارسات ذلك النظام وتحالفاته غير السوية وغير المنطقية وبالرغم من لعبه بالورقة الطائفية او العرقية كغيره من الأنظمة العربية وبالرغم من ارتمائه في الحضن الفارسي وفتح بلاده لإيران، فهذا أصبح ثانويا بعد أن انفتحت سوريا لكل من هب ودب ومن كل بقاع الأرض ليمارسوا فيها هوايتهم في القتل والتنكيل بالبشر.
لذلك نسمع اليوم أحاديث عربية عن ضرورة الحل السياسي وفتح قنوات للتواصل مع النظام بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بل وصل الأمر ببعضها إلى محاولة وقف تمدد التنظيمات الإرهابية على الأرض العربية السورية، ومع ذلك فإنها مازالت بعيدة نوعا ما عن الجهة الصحيحة للتواصل معها في الداخل، خصوصا أن هذه الجهات في الداخل السوري تتسم بالضعف من ناحية القوة المادية أو العسكرية لأنها أيقنت منذ البداية أن الحل يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا، ونأت بذاتها وعناصرها عن الولوج في المستنقع العسكري وتركته لغيرها ممن نسوا سوريا وتذكروا ذواتهم فقط ويسعون للسلطة حالهم حال النظام الحالي في سوريا، لذلك نرى انه من الضروري فتح قنوات تواصل مع تلك التنظيمات العربية في سوريا ودعمها بكل الوسائل لتتمكن من تسهيل معيشة الداخل من جهة ومواجهة النظام سياسيا من جهة أخرى، فهذه الجهات أو التنظيمات هي الأكثر فهما للواقع من غيرها، وهي كذلك الأكثر خوفا على سوريا والأمة من غيرها، بالتالي على الجامعة العربية أن تعود من جديد لرئيس اللجنة السابق ذكرها، وعليها التحرك ميدانيا وليس من وراء المكاتب فقط، وفتح قنوات التواصل التي تحدثنا عنها.
أما الأرقام المهولة التي تحدثنا عنها في البداية فهي أرقام أقل من الحقيقة وهي فقط ما تمكنت اجهزة الأمم المتحدة من رصدها أو معرفتها، فالخسائر والضحايا اكبر منها بكثير، ومع ذلك فإن هذه الأرقام كفيلة بتحريك الدم في النظام العربي وجعله يحرك العقل الجامد ويدفعه لفعل ما هو صحيح مباشرة أو عن طريق الجامعة العربية في حال أخذته العزة بالإثم... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية