العدد 2207
الخميس 30 أكتوبر 2014
banner
امتهان كرامة الإنسان يجب أن يتوقف أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 30 أكتوبر 2014

في كتاب “العقد الاجتماعي” للمفكر السويسري الفرنسي الثائر “جان جاك روسو” وفي الجزء الذي يتحدث فيه عن الحرية والمساواة يقول “أما فيما يتعلق بالثروة فإنها – أي الحرية والمساواة – تعني ألا يبلغ أي مواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن آخر وألا يبلغ مواطن من الفقر ما يدفعه إلى بيع نفسه” ثم يضيف في نفس السياق “إذا أردت أن تضفي على الدولة ثباتا قرِّب بين الحدود القصوى بقدر الإمكان، فلا يبقى فيها غنى فاحش ولا فقر مدقع. فهذان الوضعان لا ينفصلان عن بعضهما مضران بالخير العام. إن أحدهما يؤدي إلى وجود أعوان للطغاة والآخر إلى الطغاة. وفيما بينهما تشترى الحرية وتباع. أحدهما يشتريها والآخر يبيعها”.
كان هذا الكلام قد كتب من قبل إنسان طبيعي مفكر في القرن الثامن عشر، أي قبل أكثر من مئتي سنة من الآن، ولكننا ما زلنا وبالرغم من التقدم الذي حدث للبشرية وبالرغم من القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالرغم من الدعوات المنادية بالحرية والديمقراطية والمساواة بين البشر، إلا أننا مازلنا نرى أن هذه الحرية الفردية والمساواة لم تأخذ حقها في الواقع العملي ومازالت مقولة روسو حول البيع والشراء لهذه الحرية موجودة على أرض الواقع، مازال الغنى الفاحش موجودا ومازال الفقر المدقع شائعا، ولم يكن روسو هو أول من تحدث عن ذلك، بل كانت مبادئ الدين الإسلامي قد سبقته بأكثر من عشرة قرون في التطبيق العملي وليس الحديث النظري، وقادة الأمة الحقيقيون ساروا على هذا النهج قبله بكثير، ولكن الأمر الواضح هو أن هذا التمايز مازال هو السائد في مجتمعاتنا، وهذا يعني أن حرية الفرد مازالت سلعة يمكن أن تباع وتشترى ويمكن تحديد قيمتها حسب الظروف.
عندما تباع حرية الإنسان عن طريق شراء قراره ورأيه فإن ذلك يعني بلا أدنى شك أن كرامته وضعت على المحك، وتكون هذه الكرامة مهانة، يهينها من يقدم الثمن لشراء القرار والحرية الذاتية، وبتقديمه الثمن فإنه يوجه إهانة لصاحب هذا الرأي، واعتدنا على هذا الأمر في الحملات الانتخابية السابقة وسبقتنا لها شعوب أخرى دفعت بنا للسير على هذا الطريق الخاطئ وغير الإنساني، وأوصلت أصحاب المال ممن يُقدِمُون على شراء الذمم إلى سدة القرار.
هذا ما نامل ألا نراه في الحملة الانتخابية الجارية الآن على ساحتنا المحلية، لا نريد لكرامة المواطن ان تمتهن ولا نود أن يكون قراره سلعة في سوق السياسة، بل يجب أن يكون رأسه مرفوعا لأنه صاحب قراره ومالك رأيه وهما عنده أغلى من كل شيء، وهذا ليس في أثناء الحملة التي نتحدث عنها والجارية الآن، بل من المفترض ان تكون كرامة الإنسان المواطن هي المعيار الذي يجب أن يسير عليه المترشحون في حملاتهم حاليا ومن سيصل منهم إلى قاعة المجلس.
من يقدم ثمنا لقرار أي مواطن لا يستحق أن يكون صاحب قرار مستقبلي فهو يناقض مبادئ الدين الذي يحدد مسارنا جميعا ويناقض معه المبادئ الإنسانية التي يرعاها الدين ويضعها في المقدمة، بل إن من يريد شراء حرية وقرار المواطن الإنسان بالمال يحدد بهذا الشراء قدرته الذاتية وفكره غير الإنساني، فهو بذلك أضعف من المنافسة الصحيحة سياسيا وأقل من غيره فهما للعمل السياسي، وهذا يعني انه اعجز من أن يقدم لهذا المواطن شيئا لو وصل إلى موقع القرار، فمن لا يملك القدرة الذاتية لا يملك الرؤية للمستقبل ولا يستطيع أن يفهم كيف يمكن بناء هذا المستقبل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية