العدد 2116
الخميس 31 يوليو 2014
banner
الإعلام ولقمة العيش أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 31 يوليو 2014



بعض الإعلاميين ينافسون مدراء البنوك ويتفوقون على كبار الموظفين في الدخل المادي الذي يصل أحيانا إلى الملايين، ويستغرب البعض من ارتفاع تلك الدخول مقارنة بحجم الأداء الذي يقوم به أولئك الإعلاميون، ويرى أن الجهد المبذول منهم لا يتناسب وقيمة ما يدفع لهم مع أن القيمة ليست في الجهد العملي بقدر الصورة التي ينقلها ذلك الإعلامي إلى عقل المشاهد أو المستمع. والملاحظ أن أغلبية إن لم يكن جميع أولئك الإعلاميين هم من المعاملين في المحطات الإعلامية الخاصة وليس المحطات التابعة للحكومات أو الأنظمة أيا كانت، إلا أن الرابط بين الحالتين هو تنفيذ رغبة الرأسمالي أو السلطة.
هنا تضيع الكثير من المبادئ وحقوق الإنسان، ففي الإعلام الخاص تضيع تلك المبادئ والحقوق خلف جدار الربح المادي الذي يسعى إليه صاحب رأس المال ويتم تنفيذ ما يريده وما يسعى إليه المعلن في هذه المحطة أو تلك، وفي الإعلام العام تضيع تلك المبادئ والحقوق خلف جدار إرادة السلطة وما تريد من المشاهد أو المستمع أن يعرف أو كيف يفكر، والخاسر في الحالتين هو الإنسان صاحب الحقوق والمستفيد من المبادئ، مع أنه هناك حالات استثنائية تتشكل حين تكون السلطة السياسية صاحبة مبادئ إنسانية، حينها يكون الإعلام التابع لها أكثر قربا أو تعبيرا عن حقوق الإنسان والأهداف الوطنية.
البعض يطلق اسم “السلطة الرابعة” على الإعلام بسبب القدرة العالية التي وصل إليها والتي من خلالها يمكن أن يحدث ثورات شعبية أو يزيح سلطة ديكتاتورية بل ربما سلطة وطنية أحيانا عن الحكم أو تشكيل رأي عام في اتجاه معين يسعى إليه ذلك الإعلام، وفي بعض الأحيان يستطيع الإعلام تحوير المبادئ وخلق مبادئ معاكسة حين يركز لفترة من الزمن على نمط معين أو مصطلحات محددة يستخدمها إلى أن يستطيع ترسيخها في ذهن المشاهد أو المستمع الذي يعتقد من كثرة تكرارها صحة الخطأ وخطأ الصحيح في انقلاب للمفاهيم.
من خلال كل ذلك يمكن فهم القيمة الحقيقية للإعلام والسبب الذي على أساسه يتم تقدير ما يدفع لبعض الإعلاميين ممن يملكون الكلمة والقدرة على التعبير والتواصل مع المشاهد او المستمع لأن ما يدفع لهم يعود بالكثير على من يدفع، ويخدم أهدافا يتم تحديدها مسبقا من قبل صاحب المُلك أو من أولئك الذين يحملون مبادئ وقيما مضادة، فما يراه البعض صحيحا قد يراه طرف معاد خطأ والعكس صحيح، فعلى سبيل المثال ما نفهم أنه مبدأ وطني وقيمة إنسانية وحقوق إنسان يراه العدو الصهيوني على الجانب الآخر شيئا مخالفا، وما يخدم العدو الصهيوني من قيم نفهمه قيما هدامة ومناقضة للمصالح الوطنية العليا.
ولفهم ما نتحدث عنه في هذه الزاوية يمكن وببساطة إدارة مؤشر القنوات على عدد من المحطات الفضائية التي تتناول الأحداث الحالية في العدوان الصهيوني على غزة، ولا داعي لرؤية ما تبثه قنوات العدو الصهيوني الفضائية، بل يكفي أن نشاهد القنوات العربية المختلفة لنفهم ونعي التباين في كيفية تناول الخبر والتحليل لذلك الخبر ونوع الصور التي تبث لنرى حجم ذلك التفاوت ونفهم ما يريد كل تيار إعلامي أن يوصله للمشاهد، فالحدث واحد والصورة واحدة ولكن هناك من يراها من زوايا مختلفة، وهناك من يريد أن يفهمها كما يريد هو ذاته ويرغب في إدخالها لذهن المشاهد أو المستمع.
قيل ويقال إن الإعلام رسالة ولكن حتى الرسائل في يومنا الحاضر أضحت تحمل كلمات وهذه الكلمات تحمل بداخلها مفاهيم تصل إلى حد التناقض مع أنها نفس الكلمات ولكن معانيها تعتمد على قيمة ما تجنيه من أرباح ومداخيل ولقمة عيش لمن يتناولها، بالتالي قد تكون لقمة العيش هذه حلالاً وقد تكون لا سمح الله حراماً... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية