العدد 2110
الجمعة 25 يوليو 2014
banner
نهاية الذكور من الأرض خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 25 يوليو 2014

في صيف عام 2003م تقدم عالم أميركي هو “ديفيد بيدج” من جامعة وايتهيد في كمبريدج من أميركا فأعلن فك كامل الكروموسوم الذكري وكان قبل سنتين قد حام حول “جين” أعطاه لقب “ب – د 1007” إنه جين الذكورة ولكن الذي أماط اللثام فعلياً عن جين الذكورة عالمان بريطانيان استفادا من أبحاثه هما “بيتر جودفيلو” و”روبين لفل بييج” حيث استطاعا تحديد الجين الذي يشبه منظم الأوركسترا الجنسية في حفل تشييد الذكورة وهو يعمل لساعات في الأسبوع السابع فيحرك وظائف وينشط فعاليات تطلق ملامح الذكورة عند الجنين ليكتمل في الأسبوع الثاني عشر وتظهر الأعضاء التناسلية بالسونار. هذا الجين أعطي اسم “SRY = Sex determining Region of the Chromosom”. أي منطقة تحديد الجنس على لوحة الكروموسوم.
إلا أن المفاجأة كانت من العالم البريطاني “بريان سايكس” من جامعة أوكسفورد الذي قام بالدراسة المقارنة على هياكل ما قبل تاريخية على الكروموسوم الذكري ليكتشف أن كروموسوم الذكورة قد تآكل في مدى 300 مليون سنة الفائتة بمقدار الثلثين، ولم يبق منه إلا أقل من الثلث في حجم هزيل، والتآكل ماض في سبيله. وهذا يعني بكلمة ثانية انقراض الذكورة؟ بل إن الرجل حسب معدل تسارع التآكل عبر السنين ليصل إلى تقرير خطير يقول إن قدر الذكور محدد في 5000 جيل قادمة، ولسوف يختفي الذكور من وجه البسيطة في وقت لا يتجاوز 125 ألف سنة.
وهو يفتح الباب بهذه المعلومة على ثلاثة أسئلة:
ـ كيف سيتابع الجنس البشري وجوده بدون ذكر؟
ـ وجود تقنيات مثل الاستنساخ الجسدي تحافظ على الإناث وتستغني عن الذكور في مجتمع لا يضم إلا الإناث الأكمل والأفضل والأقوى والأطول عمرا حسب معطيات بيولوجية سنحاول استعراضها لاحقاً.  ـ والسؤال الثالث وهو فلسفي أن الخلق لم ينته بعد وأنه يمشي وفق صيرورة تطورية نحو الأفضل ضمن قانونين حسب الفلسفة القرآنية: “يزيد في الخلق ما يشاء” “وما ينفع الناس يمكث في الأرض”.  وأشار الفيلسوف محمد إقبال إلى هذه الفكرة أن الخلق ليس لوحة تم رسمها وانتهت بل إن الخلق ماض في طريقه وأن رحلة التطور لم تقف. والبشرية في أول رحلتها ولعلها تجاوزت مرحلة الطفل وهو ملفوف “بالبامبرز” الخرق وهو يوسخ على نفسه. وإلا كيف نفسر أن البشر لا يتفاهمون إلا بالصواريخ والقتل.
  إن الفيزياء الكونية تتحدث اليوم عن شيء اسمه تولد الهيدروجين التلقائي. وأدوين هبل اكتشف ظاهرة توسع الكون. ونحن نعرف اليوم أن العالم بدأ قبل 13,7 مليار سنة على أحدث المعلومات، ومن نقطة رياضية متفردة تعرف بالانفجار العظيم. وأمامنا رحلة خرافية من السنين حتى ينطفئ الكون وأنه ماض إلى التوسع اللانهائي. وأن الحياة على الأرض ستبقى ما لا يقل عن 550 مليونا من السنين؟ وهكذا تندمج “الفيزياء الكونية” مع “البيولوجيا” و”الفلسفة” و”الدين” في مزيج ساحر غامر. وقصة تكون الجنس ليست أزلية فالمعلومات الموجودة بين أيدينا أن عمر الأرض 4,6 مليارات سنة، ولكن الحياة لم تتدفق على ظهرها إلا بعد 800 مليون سنة لاحقا. وبدأت الحياة من خلية واحدة وكانت بدون نواة وأكسجين، ولعل أعظم بناء تشكل في الطبيعة بشكل ساحر متماسك مليء بالأسرار هو البناء الخلوي؛ فكما كانت الذرة وحدة البناء المادي فإن الخلية هي وحدة البناء العضوي للحياة، ومنها تدفقت الحياة بظاهرة الحركة والتكاثر والتغذية والتنفس والإطراح وما شابه، وأهمها إعادة إنتاج نفسها كما في توالدنا وكل الكائنات الحية. كانت الخلايا تتكاثر بتشكيل “كوبي عن نفسها” ومازال في الطبيعة استمرار لهذه العادة، ولكن أكثر من 99 % مشت باتجاه آخر هو التكاثر الجنسي؛ فاندمجت خليتان ببعضهما في جدلية جديدة؛ فأخرجت نسلاً مختلفاً، وسبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون.  وكان هذا قبل مليار سنة. وبهذا “النسخ” في الخلق احتار العلماء في تفسيره ووجدوا فيه إسرافا كبيرا أن يتم تنشئة الذكر في فترة طويلة كي يمنح النطف، في الوقت الذي تستطيع الخلايا تكرار نفسها بسرعة وبطريقة اقتصادية.  وخلال الرحلة التطورية حدث انفجار آخر قبل 530 مليون سنة لا يقل أهمية عن الانفجار الكوني العظيم هو “الانفجار البيولوجي” حيث ظهرت إلى الحياة مجموعات رائعة من عديدات الخلايا بأشكال شتى بدءًا من الذباب والعقارب وانتهاء بالديناصورات لتتوج قبل حوالي عشرة ملايين من السنين بظهور الإنسان.  وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. وينزع الفلاسفة إلى الإجابة عن سؤال ولادة الجنس بتعبير عالم النبات البريطاني “مات رايدلي” أن الجنس لا يزيد عن خلط المادة الوراثية المستمر لإنتاج أفضل وتجنب مشكلة “الطفرات Mutation” التي تراكم الأخطاء؛ فكان الجنس الجواب المناسب بهذه “الخلطة المدهشة” من المادة الوراثية، وإعادة ترتيبها مثل أوراق اللعب، كما كانت النجاة إلى شاطئ التعددية ومعها الأمان. إن قضية ارتباط الحياة والإنسان بالكروموسومات حيرت ستالين العقائدي الذي يرى أن الطبقة والإنتاج هي التي تحدد الإنسان وتغيره أمام ثبات علم الوراثة، ولذا رأى بكل بساطة أن علم الوراثة ليس “علما حقيقيا” وأن الشيوعية عندها الجواب، طالما كان لا يتماشى هذا العلم مع العقيدة الشيوعية.  لقد حل ستالين هذه الإشكالية فقام بإزاحة رئيس المؤسسة العلمية واستبداله برفيق حزبي موثوق، كما فعلت الأنظمة الثورية في العالم العربي فقلدت ذلك المأفون، وهكذا نشأ مرض “الآيديولوجيا” الاجتماعي حيث يسهر الرفاق على العلم ويدجن العلماء بما يناسب الحزب؛ فنزلت الجمهوريات إلى قبو الخوف والبطالة والاستبداد.
ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .