العدد 2450
الثلاثاء 30 يونيو 2015
banner
“الدوام واللادوام” د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الثلاثاء 30 يونيو 2015



من المؤسف أن نشاهد في شهر رمضان الكريم في الكثير من دوائر الدولة حالة يمكن تسميتها “الدوام واللادوام” في نفس الوقت، فمن أول أيام الشهر الكريم وحتى نهايته نشاهد الكثير من الموظفين يجلسون خلف مكاتبهم أو في محل عملهم بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، متململين من وجودهم في أي مكان آخر سوى السرير بسبب السهر.
أضف إلى ذلك أن ما من إدارة لا تجد فيها مكتبا أو اثنين فارغين لكون أصحابها في إجازة إما مرضية أو أنهم يأخذون إجازاتهم السنوية في شهر رمضان وبالتالي إذا أردت انجاز اية معاملة فستواجه إما بموظف نعسان لا يقوى على فتح عينه أو آخر مجاز ولا أحد يحل محله ناهيك عمن هو في قمة العصبية بسبب الصيام وكأنه بركان يتوقع انفجاره في أية لحظة فتقرر إن كنت ذكيا أن تعود في وقت آخر وإلا كان مصير معاملتك الرفض التام أو الموت الزؤام.
إن شهر رمضان ليس شهر الكسل ولا التهاون في العمل فقد كان المسلمون يجاهدون فيه وبعض أهم الفتوحات الإسلامية كانت في شهر رمضان وعلى يد مقاتلين صائمين، إن الهدف من صيام رمضان عبادي وفي نفس الوقت تهذيب للنفس البشرية ولجم شهواتها وإعطاء العقل طاقة مضاعفة وكذلك طلب الأجر والثواب في كل شاردة وواردة وعلى رأسها طبعا قضاء حوائج المراجعين.
إن الموظف يأخذ في شهر رمضان راتبا كاملا غير منقوص وبالتالي لا يحق له شرعا وأخلاقا أن ينقص من حجم العمل الذي يؤديه وأن يعطل مصالح الناس وهم أيضا من الصائمين وقد يكون بعضهم قد قطع طريقا طويلا في الحر والشمس لإنجاز هذه المعاملة فإذا به يعود أدراجه بخفي حنين لأن الموظف إما لا مزاج له  للعمل أو أنه أخذ إجازة دون تعيين بديل له.
وللأسف فإن هذه الحالة ليست حصرا في بلد معين فجميع الإحصائيات في أغلب الدول الإسلامية تبين أن الإنتاجية في شهر رمضان الكريم تنخفض بشكل ملحوظ جدا، وهو أمر غير منطقي اقتصاديا لأن انخفاض الإنتاجية مع بقاء التكلفة بنفس المستوى يعني ضررا فادحا للقطاعين الخاص والعام وبالتالي هناك مؤسسات ومصانع في بعض الدول تعطي شهر رمضان إجازة وتقفل أبوابها حتى انتهاء عطلة العيد لأن ذلك أوفر لها من العمل بإنتاجية منخفضة.
وإذا كان هذا الخيار واردا لبعض الشركات الخاصة فإنه غير وارد قطعا بالنسبة للدولة ومؤسساتها المختلفة فلا يمكن أن تغلق الدولة أبوابها امام المراجعين شهرا كاملا، لذا فإن الحل يكمن في التوعية الإدارية أولا، وفرض نظام عقوبات بحق من يتهاون بعمله في شهر رمضان ثانيا، كما أن خطباء المساجد الفضلاء مدعوون لتذكير المصلين بقدسية العمل في الإسلام والنهي في السنة النبوية الشريفة عن الانتقاص من العمل كما أو كيفا، لأن ذلك لا يليق بمسلم صائم مصل يطلب الأجر والثواب من الله عز وجل في هذا الشهر الكريم.
أسال الله لي ولكم الهداية والمغفرة وأن يعيد هذا الشهر الكريم على الأمة الإسلامية بكل خير وبركة، إنه سميع مجيب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .