العدد 2512
الإثنين 31 أغسطس 2015
banner
وداعا زمن الرخاء محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الإثنين 31 أغسطس 2015

رغم أنّ مفهوم الرخاء المتداول والمستقر لدى الناس عائم وغير محدد إلا أنّه يمكننا القول باطمئنان بالغ إنّ زمن الرخاء ولى. نعم تلك هي الحقيقة التي يجب على ابناء منطقتنا ان يتقبلوها بكل مراراتها. بيد انّ الأشدّ وطأة هو انّ المنطقة مقبلة على سنوات عجاف ناجمة كما يعرف الكثيرون عن الانهيار المدمر لأسعار النفط. غير أنّ الخبراء يرجعونها الى عوامل أخرى تتمثل في سوء التخطيط والبذخ ناهيك عن الفساد الذي ينخر في مفاصل الأجهزة الرسمية مما تكشف عنه التقارير بين آونة وأخرى الأمر الذي أفضى الى أزمات طالت مناحي الحياة. ومن البديهي أن يكون التساؤل لدى هؤلاء المواطنين أين الخطط الاستراتيجية الاقتصادية المعدة من قبل الأنظمة في حال انفجار الأزمات الاقتصادية؟ وهل فكرت الحكومات في الاجراءات التي يتعين اتخاذها لمواجهة المستجدات كتراجع اسعار النفط أو انهيار الأسهم وغيرها.
الذي يجب التذكير به أنه في كل مرة تقع فيها هزات اقتصادية عالمية فإنّ المسؤولين لدينا يخرجون بإشارات مطمئنة وتصريحات دراماتيكية لا يصدقها احد من قبيل أنّ كل شيء على ما يرام ولا شيء يدعو الى القلق. لكنّ الوضع هذه المرة كان مختلفا تماماً فتهاوي أسعار النفط الى حد لا يمكن التنبؤ به اصاب الموازنات في الصميم.
كل المؤشرات تؤكد انّنا مقبلون على مرحلة “شد الأحزمة” وهي بالطبع لم تعد موضع شك وباتت جليّة أمام الشعوب. إنّ مواطني بلداننا العربية يترقبون اياما سوداوية قد تأكدت بالإعلان عن رفع الدعم عن المواد الاساسية. وبالنظر الى ما افرزته الأزمة العالمية في الأيام الماضية فإنّ العام القادم سيكون لا محالة حاسما في تأكيد مستقبل الاجيال. امّا الهاجس الاكبر الذّي يشغل المسؤولين فإنه ينحصر في البحث عن جسر ملائم يمكنهم من العبور الى مرحلة ما بعد النفط وهو هاجس الأنظمة والشعوب في آن واحد.
إنّ الحكومات في اغلب البلدان العربية وبالتحديد منها تلك التي تعتمد مداخلها على النفط في مأزق حقيقيّ، انّها تبحث عن طوق نجاة يخلصها من الاعتماد الكليّ على النفط والتوجه نحو انشطة اخرى للأسف لم تعطها الأنظمة الأهمية كالاستثمار في السياحة وإنشاء الصناعات الخفيفة. ربما يرد البعض بأنّ الوقت فات ولم يعد بإمكانها انقاذ اقتصادياتها المتهاوية وهذا صحيح الى حد كبير. وكان أحد السياسيين البارزين قد تساءل ذات مرة سؤالا نعتقد انه في غاية الاهمية رغم انه جاء متأخرا وكان مفاده التالي: ماذا فعلنا – كأنظمة - عندما كان سعر البرميل يناهز الـ 140 دولارا؟ ومن يتأمل في ما ينطوي عليه السؤال من ابعاد فإنه يلمس انه يمثل نقدا صريحا وموجعا للسياسات التي انتهجتها الدول العربية النفطية طوال السنوات الماضية. ويذهب النقد مباشرة الى انّه كان يجب على هذه الدول ومنذ ما قبل عقود ثلاثة العمل على تنويع مصادر الدخل.
ليس بمقدور احد التنبؤ بمستقبل هذه الدول لكن اصلاح الاوضاع الاقتصادية يحتاج الى اشبه بالمعجزة لعبور هذه المرحلة المضطربة. فالخسائر التي تتعرض لها دولنا لم تشهدها منذ عقود وتقدر بمئات المليارات من الدولارات.
لم يكن أمام هذه الدول من حل لمعالجة الأزمة ومواجهة هذه الوضعية غير المسبوقة سوى تهيئة الرأي العام الى مرحلة التقشف وهو اشبه بالعلاج بالكي، وهذا ما فعلته هذه الدول كحل وحيد للأزمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية