العدد 2237
السبت 29 نوفمبر 2014
banner
اقتلوا الذئب الذي بداخلكم محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
السبت 29 نوفمبر 2014

قال حكيم لحفيده: اليوم سوف أخبرك عن حقيقة من حقائق الحياة. قال الحفيد: أسمعك يا جدي فقال الجدّ: إنّ في داخل كل إنسان تدور معركة أشبه بمعركة بين ذئبين أحدهما يمثل الشر الحسد الغيرة الأنانية الكذب. هز الحفيد رأسه وقال: والآخر؟ فقال الجد الحكيم: الآخر يمثل الخير والسلام والحب والحقيقة والإخلاص. تأثر الطفل بهذه الكلمات وفهمها رغم صعوبتها وبعد تفكير عميق سأل جده: وفي النهاية أي ذئب منهما سينتصر؟ ابتسم الجد وقال: دائما ينتصر الذئب الذي أنت تطعمه وترعاه وتغذيه.
وبالرغم من أن القصة السالفة هي أسطورية أي تنتمي الى عالم الخيال إلاّ أنّ المتأمل فيما تنطوي عليه من معانٍ ودلالات مجازية ليست خافية، أبرزها أنّ الإنسان الذي يسمح لنفسه باقتراف كل المساوئ ويطلق لها العنان كيفما شاءت بتجاوز القانون واختراق الأنظمة فإنه ينصر الذئب الشرير بداخله. والظواهر تستعصي على الحصر وتستحق الوقوف أمامها ودراستها. ويمكن الإيماء الى بعض منها كتلك التي تشاهد في المنتديات والمجالس وبرامج الفضائيات. وتتجلّى الشراسة الذئبية بأبشع صورها بين من يصنفون أنفسهم بالمثقفين وتأتي البداية على شكل مماحكات ثم لا تلبث حتى تتطور الى سب وشتم وتخوين وأحياناً الى استخدام للألفاظ البذيئة وفي بعضها الآخر تجاوزت المسألة كل هذا الى استخدام لغة الجسد وأخرى الى اشهار السلاح الناريّ. أما خارج الاستوديوهات فقد بلغت انفعالات البعض الى التهديد بالقتل ومنها ما وصل الى استخدام السلاح الأبيض.
هناك من يرجع الظاهرة برمتها الى المجتمع بكل مؤسساته، ويجزمون بأنّ السياسة التي تنتهجها هذه المؤسسات لها دور بارز في انتصار أحد الذئبين. وعلى سبيل المثال فإنّ المجتمع الذي تتفشى فيه نزعة الفساد يعد بيئة طبيعية لتفريخ الفاسدين والعكس صحيح تماماً. فالفساد بوصفه نزعة شريرة لا تولد مع الإنسان والأبحاث العلمية دحضت الفرضية التي زعمت أنّ الشرور تولد مع الكائن البشري منذ عشرات السنين أي أنّ وراثة الشرور ليست داخلة في تركيبة الإنسان انما هي نزعة مكتسبة من البيئة.
ونأتي الى السؤال المفصلي وهو كيف تتحكم في تصرفاتك أو غرائزك أو تكبحها. البداية انما تكون في السيطرة على النفس وهذا ممكن تحصيله وأكدته التجارب عن طريق الإرادة كما حددها العلماء بـ “الجهد الواعي لمنع شيء أو اكتسابه”. والمثال هنا الإدمان على التدخين ففي وسع المدخن أن يتجنب الإفراط في عادته بوضع فواصل زمنية في كل مرة وهكذا تدريجيا حتى يمتنع عن التدخين يوما كاملا ثم اسبوعا وشهرا.
يقول بيل ويلسون، مؤسس رابطة مكافحة الإدمان إنّ غرائز الإنسان ضرورية لإيجاد المأكل والمأوى وتكوين المجتمع والتكاثر وهذه الغرائز الأساسية لا تدفعنا وتحركنا فحسب بل من الممكن ان تسيطر علينا اذا ما اسرفنا في استخدامها أو أسأنا استخدامها كما يفعل معظمنا. ويبدو لي أنّ الخطورة أن ندع المجال لانفعالاتنا أن تفلت من عقالها أي تخرج عن وظائفها وبدلاً من ان تكون تحت سيطرتنا فإنها تتحكم في مصائرنا. وخلاصة ما تم التوصل اليه هو انّ هذه الرغبات أو الانفعالات تتسبب في مشكلة عظيمة اذ إنّ كل المعضلات نابعة منها. إنّ الإنسان في النهاية سيد قراره وبيده السيطرة على أحد الذئبين فهو من يربيهما ويغذيهما وبيده كبح أحدهما.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية