العدد 2138
الجمعة 22 أغسطس 2014
banner
“داعــش” مــن أيـــن جــــاءت؟ محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الجمعة 22 أغسطس 2014

أعتقد أنّ العالم بأسره مشغول بقضية واحدة دون سواها تلك هي دولة “داعش”. الدولة التي تهدد مصير الآلاف من البشر في العراق والشام. هؤلاء الدواعش من هم؟ من أين جاءوا؟ ما هي خلفياتهم الثقافية والدينية؟ وماذا يريدون بالضبط؟ إنّ الذي يعرفه القاصي والدانيّ أنّ داعش جماعة ضالة خارجة عن الدين وأنّ ما يزعمونه من فكر إنمّا هو خارج على الإسلام والعصر. إنهم متخبطون في افكارهم والقارئ للتاريخ الإسلامي يجد انّ هناك تطابقا مدهشا بين ما يتبناه الدواعش من آراء وبين ما كان عليه الخوارج وكأنهم يستنسخون تجربة الخوارج بحذافيرها حتى دون ادخال أي تعديل عليها لينسجم وروح العصر.
وإذا كان خوارج الأمس قد انقرضوا لتبنيهم فكراً عدميّاً وتكفيرياً وخروجهم على الشرع والشرعية وتبجحهم بأنهم قتلوا من يرون أنّهم أعداء الإسلام وأنهم في كل ما يفعلونه “أحرار” فإنّ خوارج هذا العصر “الدواعش” يرفعون كذبا مبادئ الإسلام ويستعملون تعابير القرون الأولى ويكررون الأفعال ذاتها فلا يتورعون عن ذبح من أسموهم كفارا حينا أو مرتدين حينا آخر وهم يقصدون طبعاً من لم يبايعوا البغدادي أميرا للمؤمنين.
ليس في تاريخ خوارج الأمس ما ينبئ أنهم قاتلوا المشركين أو الكفار بل إنّ كل المصادر التاريخية تبرهن انّ قتالهم كان للخلفاء كالخليفة عثمان بين عفان والإمام عليّ بن أبي طالب وللمسلمين وخيار الصحابة. وخوارج العصر يسيرون على النهج ذاته فكم سفكت سيوفهم من دماء الأبرياء من كل الطوائف الإسلامية والمسيحية والأيزيدية وغيرهم والذين لا ذنب لهم سوى أنّ اقدارهم شاءت لهم أن يكونوا تحت تسلّط الداعشيين فأمعنوا فيهم قتلا ونهباً وتشريدا.
إنّ معضلة الخوارج بالأمس كما هي معضلة الدواعش اليوم، يستدلان بنصوص القرءان والمفارقة هنا أنّهما لا يستوعبان مراميها ولا يفقهان مقاصدها والأدهى أنهما أخذا طرفا من تلك النصوص وتركا طرفا آخر وهذا راجع لفرط جهلهما.
لدفع شرهم وأذاهم قاتلهم الإمام عليّ بن أبيّ طالب في معركة النهروان أما خوارج هذا العصر فرغم أنهم يعيثون في الأرض فسادا وإجراما بيد أنهم لم يجدوا من يتصدى لهم وهذا ما يبعث على الحزن البالغ.
إنّ هؤلاء الدواعش سينقرضون أيضاً - كما انقرض الخوارج - لأنهم ضد سيرورة التاريخ وضد العقل وضد الدين. إنّهم منعزلون عن العالم الخارجيّ ويدورون في منطقة انعدام الوزن ويتحدثون بلغة منقرضة لا يفهما أحد سواهم. إنّ مشكلة الدواعش اليوم أنهم يريدون التبشير بدولتهم التي تشمل العالم الإسلامي بأكمله ومن ثم العالم أجمع بيد أنّ حصيلتهم الثقافية والدينية لا تتجاوز مركز خلافتهم.
الإشكالية الكبرى في تنظيم الدواعش كما قال الشيخ علي جمعة هو جهلهم باللغة العربية في مفرداتها وتراكيبها وصورها وحقيقتها ومجازها بصورة يرون فيها الحق باطلا والباطل حقا لا يعرفون الفرق بين الظنيّ والقطعيّ ولا بين الخاص والعام ولا بين المطلق والمقيد ومن هذا كله اتبعوا أهواءهم ولم يتبعوا الشرع في نفسه. ومن أجل هذا كله اختلفنا معهم وسنعلن الحرب عليهم في ذات الوقت.
وأخيرا إنّ الدواعش يمثلون اليوم وصمة عار في تاريخ الإسلام الحديث بتجاوزاتهم وآرائهم الفاسدة ذلك انهم يهدرون طاقات الأمة ونعني استمالة شبابها الى محارقهم وحروبهم العبثية. وإذا كان هناك من يستغرب اندفاعة الشباب الى صفوفهم فلإنّ هؤلاء كانوا مخدوعين بشعاراتهم المضللة بإقامة الدولة العادلة كما كانت أيام الرسول (ص).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .