العدد 2510
السبت 29 أغسطس 2015
banner
أزمة الكاريزما المُركبة د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
السبت 29 أغسطس 2015

أعتقد بأن أبرز عمل لمع فيه الراحل نور الشريف وأكد فيه أنه فنان شامل ذو كاريزما مُركبة هو مسلسل “الحاج متولي”، وإن كنت غير قادر على حصر وتصنيف جميع الأعمال التي قدمها هذا العملاق، لكن متولي “مصطفى محرم” كان رائعاً جديراً حينها بجذب مئات الآلاف بل الملايين من النساء في العالم العربي بجدلية الطرح وإبداعات الشريف. ولعل نور الشريف يعتبر من نوادر الممثلين الذين يتمتعون بالقدرة على تقديم التراجيديا والكوميديا بذات التأثير؛ أي أنهم بارعون في إيصال إحساس الحزن والأسى، ويمتهنون فنَّ الإضحاك بكوميدياهم الهادفة أو كوميدياهم السوداء كما يحلو للبعض تسميتها.
بحكم متابعاتي، وعملي في المجال الفني فإنني أجد أن الممثلين من هذا النوع لا تنجب البطن الفنية منهم إلا قليلا. حتى الراحل المبدع أحمد زكي بجدارته وبراعته، لم يكن يمتلك هذه الكاريزما المركبة، رغم إعجابي الشديد بتاريخه وأعماله الفنية. لست في مقام المقارنة، لكن لم يُقدم زكي الكوميديا مع وحوش الكوميديا المصرية في مسرحية “مدرسة المشاغبين” أو مسرحية “العيال كبرت” بل تمثل دوره في الشخصية الوقورة الرزينة أو المعتدلة التي عرف وتميز بها، ولعله لم يكن جاداً في المحاولة مع جنون الكوميديا.
عربياً، لا تزال بعض الأسماء تلمع بمثل هذه الكاريزما الفنية الموهوبة، ومنهم القدير محمد صبحي أو القدير محمود عبدالعزيز الذي استطاع بموهبته وقدراته الفنية المتناهية في الإبداع تقديم شخصيات تتمازج فيها التراجيديا مع الكوميديا الناعمة، من أمثال مسلسل “رأفت الهجان” وفيلم “الكيتكات” وغيرهما.
إننا بحاجة إلى نماذج مماثلة ومُتحيزة في المسيرة الفنية العربية، نماذج تقدم فناً قوياً بأدائه ومدلولاته، نماذج تعمل لأجل الإبداع والتميز، لا لحصد المال أو الشهرة أو الأهداف التي لا تمت إلى الفن الحقيقي بصلة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، لقد دأب الكثيرون على المنصة الفنية العربية على إقحام أنفسهم في التمثيل وخوض غمار هذه التجربة المشروعة، ومازلنا نتحمل بقاءهم في الوسط الفني، لكن الجيد أن نقد الجمهور لاذع وحكمه قاطع على التجارب المقحمة في الساحة الفنية الآنية. إن التمثيل موهبة، ولا يمكن اقتحامها عنوة، وإن غدت لنا بعض النماذج المهترئة باقية.
وتبعث على الفخر في الخليج العربي الهامات الفنية المتألقة التي لدينا، على سبيل المثال وليس الحصر حياة الفهد وسعاد عبدالله.
فنانون على قدر عالٍ من الحرفية، يحترمون فنهم، ويقدرون دورهم ورسالتهم، ويهتمون بتقديم ما هو مميز، وأفضل من المتوقع. يمتلكون تلك الكاريزما المُركبة التي قل نظيرها، ويستأنسون بالشخصيات الدرامية سواء كانت تراجيدية أم كوميدية. إننا بحاجة حقيقة في الساحة الفنية العربية اليوم إلى العشرات من أمثال هؤلاء حتى نبتعد عن الإسفاف، ونبتعد عن أعمال التعليب الرائجة، وإن كانت بعض التجارب الفتية النادرة تنبئنا بخير مُقبل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .