العدد 2454
السبت 04 يوليو 2015
banner
ترسيخ مفهوم الذبح سعياً مُوهَّماً إلى الجنَّة د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
السبت 04 يوليو 2015

فُجعنا حقيقة بالمصاب الجلل الذي راح ضحيته 27 وأصاب 227 آخرين إثر هجوم انتحاري استهدف مسجد الإمام الصادق في منطقة الصوابر بدولة الكويت الشقيقة أثناء صلاة الجمعة. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية حينها مسؤوليته عن العملية وسط تنديد دولي واسع على المستويين القيادي والشعبي.
إنَّ منفذي هجمات انتحارية بهذه الشاكلة، وهذه الكيفية، يتطلبون وقفة فاحصة لدراسة حالة الانصياع هذه التي تبيح لهم قتل المسلم للمسلم في بيت الله، أثناء تأدية الصلاة بجوارح صائمة، وبينهم الشيوخ والأطفال! كيف يمكن لهم أن يُجندوا أفراداً يدافعون باستماتة عن فكر عدائي دموي؟! كيف لأشخاص قد شارفوا على الثلاثينات من أعمارهم أو بلغوا من العمر ما يسمح لهم بالتفكير أو الاستدراك أن ينساقوا باتجاه ادعاءات ومغالطات واضحة؟!
بطبيعة الحال إنَّ العقليات لها مفاتيح مختلفة لتطويعها، بمواءمة البيئة الاجتماعية مثلاً أو استمالة الرغبات وغيرهما، ويمكن بذلك استبدال حتى المعارضات القطعية إلى إيمان مُطلق بفكر جديد. وهذه الاستبدالات تعد الأخطر على العالم إن كانت ترسخ لمفهوم الذبح سعياً مُوهَّماً إلى الجنَّة أو مُجرد التكفير لأجل إشاعة الفتنة والفرقة.
يرى بعض علماء النفس أن بتغيير بيئة الإنسان يمكن تغيير طبيعته الذاتية، وهو ما يمكن أن يكون واضحاً وجلياً عندما يتحول الإنسان من بيئة محافظة مثلاً إلى بيئة أكثر تحرراً، فإما أن يزداد تمسكه وإما أن يفرط في انحلاله. لست على اقتناع بأن ثمة إعادة تشكيل فكرية لأي فرد على هذا النحو ما لم يكن في بيئته وتربيته ما يسهم بشكل ما في ترسيخ فكر جديد لديه، يُحرك فعله ويحدد انفعالاته ويرسم منهجه. أي انتحاري هناك ما يختلج في نفسه، هناك ما تأسس عند تربيته، بيئة خصبة احتضنته وسمحت له بالانسياق وراء فكر تماشى بطريقة أو بأخرى مع ما حوله من تفاعلات ومعطيات تزامنت مع معايشته ورسخت في وجدانه.
هذه الأفعال لها من الدلالات على أن العقل يخضع خضوعاً كلياً، ولا إرادياً، ويكون تابعاً، غير ذي رأي أو أدنى اعتراض لهذا الفكر الدموي بحيث يكون الشخص خارج نطاق سيطرته، ويكون أسير آيديولوجية ديناميكية فاسدة.
التحدي اليوم بمجابهة صناعة الفكر الإرهابي بل الصناعة الدموية، كيف لنا أن نحد من الازدياد المضطرد للإرهاب باسم الدين والمذهب والمعتقدات الزائفة، باسم المغريات الأخروية التي لا يملكها أي منا.
الأنبياء، رغم نقائهم وصفائهم، كانوا يعبدون الله وكأنهم من الهالكين، كانوا يخافون الله حق تقاته وكأنهم ليسوا مختارين ومن صفوة الخلق.
الكويت أعلنت الحِداد الرسمي على الضحايا، ونحنُ نُعلن الحداد على مجتمعنا الإسلامي، مُعزين بذلك أنفسنا بوجود مثل هذه التنظيمات والجماعات التكفيرية الانتحارية الإرهابية الدموية، ونبقى في حِداد حتى نجد طريقاً إلى الحل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية