العدد 2417
الخميس 28 مايو 2015
banner
ما العمل؟ د. حسن العالي
د. حسن العالي
الخميس 28 مايو 2015

موضوع الدعم وضعف تنويع الإيرادات وتضخم النفقات هي جميعها تمثل أجزاء لمشكلة واحدة وهي تصحيح مسار وهيكلة الميزانية العامة للدولة في المديين القصير والمتوسط. ولا يمكن أن يتم هذا التصحيح بتناول جزء واحد فقط، بل الأجزاء الثلاثة مجتمعة والتي معالجتها يقتضي معالجة عددا من القضايا الأخرى في المجتمع.
وقبل أن نتلمس حلول لمعالجة هذه الأجزاء الثلاثة يتوجب وضع عدد من المعطيات التي سوف تفرض نفسها على هذه الحلول في إطار وضعنا الاقتصادي الراهن والمستقبلي. أولى هذه المعطيات أن البحرين تمتلك موارد نفطية محدودة ولأعوام محدودة أيضا. كما إن توقعات الأسعار في المدى المتوسط تنبأ بعدم عودتها لما فوق الـ 100 دولار إلا إذا حدثت تطورات اقتصادية وسياسية دراماتيكية. وهذا يعني أننا يجب ألا نضع ضمن توقعاتنا تحول دراماتيكي في الإيرادات النفطية في المدى المتوسط. وثاني المعطيات إن معظم بنود الصرف وخاصة فيما يتعلق بالرواتب والصيانة وتطوير وتوسعة البنية التحتية لن يكون بالإمكان مسها أو تخفيضها، بل العكس توقع نموها خلال الأعوام المقبلة. وثالثا، أن الدولة أخفقت وعلى مدى العشرين عاما الماضية في تنويع مواردها المالية، حيث ظلت الإيرادات غير النفطية بحدود 15 % طوال تلك الفترة. ورابعا إن الدعم المقدم للمواطنين بات جزء من حقوق مكتسبة لهم لذلك لا يمكن التراجع عنه ولكن يمكن هيكلته مع تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
بضوء الحقائق المذكورة أنفا، فإننا لا نرى إمكانية تصحيح مسار وهيكلة الميزانية العامة على المدى القصير ولكن يمكن أن تتوافق السلطة التشريعية مع الحكومة على وضع خطة تمتد لخمس سنوات يتم خلالها تنفيذ إجراءات التصحيح التي يجب أن تتم على ثلاث مسارات رئيسية. المسار الأول هو تنويع مصادر الدخل.وتشمل الإجراءات هنا هيكلة وتنظيم استثمارات الدولة من خلال ممتلكات لضخها بصورة شفافة في ميزانية الدولة وفرض ضرائب ولو بنسب ضئيلة على أرباح الشركات الأجنبية (هي مطبقة في كافة دول مجلس التعاون تقريبا) ودراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع الاستهلاكية (باستثناء المواد الغذائية) ورفع انتاجية القطاع العام والتخصيص وهيكلة أسعار رسوم الخدمات التي لا تمس المواطن وتحرير أسعار الطاقة المقدمة للشركات الكبيرة وتنفيذ المزيد من المشاريع الكبيرة عن طريق الشراكة مع القطاع الخاص وتحسين جودة تحصيل ديون الحكومة. أما المسار الثاني وهو النفقات فيأتي في مقدمتها هيكلة كافة صور الدعم لكي يذهب لمستحقيه من المواطنين البحرينيين وتخفيض بعض النفقات الرئيسية بما في ذلك النفقات الأمنية والاجتماعية وغيرها بالتوازي مع تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي التي تذهب مباشرة للمستحقين.
أما المسار الثالث فهو المتعلق بإدارة العجز والدين العام والميزانية، ففيما يتعلق بالعجز يجب أن يتوفر أكثر من مصدر لسد العجز بدلا من الاعتماد كليا على الاقتراض مثل تكوين احتياطي للدولة يتم استقطاعه سنويا من الإيرادات النفطية بنسبة معينة أو إصدار شهادات أو سندات دين للمواطنين والشركات. أما فيما يخص إدارة الدين فيجب إصدار قانون للدين العام وتشكيل هيئة حكومية بمشاركة بعض الخبراء للأشراف على إدارة الدين مع تأسيس دائرة مؤهلة بالخبراء في وزارة المالية خاصة بإدارة الدين. وبالنسبة لإدارة الميزانية ككل، هناك إصلاحات ضرورية يجب أن تدخل لتحديث نظام الميزانية العامة الحالي ووضع إطار متوسط الأجل للميزانية يتكامل مع الإطار متوسط الأجل للاقتصاد الكلي، وتحسين نظام وشفافية إدارة المالية العامة.
ويفترض أن تتم جميع هذه الإجراءات بشفافية تامة وفي ظل حملة إعلامية شفافة تبين بالأرقام مزايا كل خطوة وكل إجراء مع مشاورات مع المجتمع المدني لكي نتمكن في نهاية الخطة أن نتحدث عن القدرة على ضبط الدين العام وتخفيضه كما ورد في برنامج الحكومة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .