العدد 2457
الثلاثاء 07 يوليو 2015
banner
أخـلاق الحـرم ونهضـة الأمــم عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الثلاثاء 07 يوليو 2015


دائما ما يضرب المثل بخلية النحل عند الحديث عن الالتزام والجدية والدقة والتعاون في العمل، حيث تشكل منظومة متكاملة كل ما بها يعرف دوره تمامًا ولا يتجاوزه حتى لا يضيع الوقت وتتشتت الجهود وهو ما يقدم نموذجًا جديرًا بأن يحتذى في العمل والإنجاز.
تذكرت هذه الخلية وأنا بانتظار الإفطار وصلاة المغرب في المسجد الحرام، حيث تحول المكان بالفعل لخلية نحل كل فرد يقوم بدوره بسرعة ودقة متناهيتين رغم التداخل الكبير بين المهام بسبب التزاحم على فعل الخير في هذا المكان وفي هذا الزمان، إذ هناك عدد هائل من الراغبين في توزيع التمر وعدد آخر راغب في توزيع الشاي وعدد ثالث لتوزيع القهوة وأعداد كبيرة راغبة في توزيع ما لديها من طعام أو شراب ومعظم الوجوه تبدو عليها البساطة وليسوا من الأثرياء.
كل فرد من هؤلاء يعرف دوره، وخلال دقائق معدودة يتم تجهيز المائدة البسيطة للصائمين قبل صلاة المغرب وبنفس السرعة يتم تنظيف المكان بعد إفطار الصائمين من أجل صلاة المغرب.
الجميع يلتزم البشاشة في التعامل ويحرص على التعاون مع الآخرين حتى مع اختلاف اللغات، حيث إن لغة الحب والود هي السائدة، وهو ما يزيل المسافات اللغوية بين كل الحاضرين بهذا المكان الآمن.
حرصت على أن أراقب هذا المشهد المؤثر في الإيثار والتلاحم بين المسلمين على اختلاف اعراقهم وجنسياتهم، فهذا ينتظر حتى يطعم جاره في المكان والذي لا يعرفه مطلقا، وهذا يقسم كوب الماء مع آخر وغيرها من السلوكيات التي تعد تطبيقا لقيم الإسلام.
المكان مكتظ بالمصلين، ورغم الزحام الشديد فلا أجد ضيقًا من أحد لآخر أو احتكاكًا بين اثنين كما هي العادة خارج هذا المكان المقدس، حيث نشهد توترات وربما صراعات دموية بسبب احتكاك بسيط في مكان ما أو سباق على سلعة ما كما اعتدنا على ذلك خلال السنوات الأخيرة.
سبحان الله، هذا هو المسلم الذي توجه له الانتقادات من كل مكان ومن قبل من يزعمون أنهم نخبة تنويرية راغبة في إحداث صحوة في سلوك المسلم، لأنه بات متخلفًا في نظر هؤلاء، بل أصبح سبب تخلف كثير من الدول.
هذا هو المسلم الذي يقال إنه لا يعدو كونه مسلمًا بالاسم فقط بينما تسير أفكاره وسلوكياته في اتجاه مناقض لهذا الإسلام الذي ينتسب إليه، حيث يسيطر عليه الكسل والتراخي والاتكالية وعدم الشعور بقيمة الوقت وعدم الوفاء بالوعد، فضلاً عن الاتهامات لهذا المسلم بالتطرف والإرهاب.
ما السر في هذا الانفصام الغريب بين الإنسان المسلم داخل المسجد الحرام ونفس الإنسان خارج هذا المكان الطاهر الآمن، ولماذا يمتثل المسلم قيم الإسلام وأخلاقه داخل المسجد الحرام ويفرط بها خارجه، رغم أن الإسلام واحد وقيمه ومبادئه لا ترتبط بمكان أو زمان.
برأيي السبب يكمن في الثقة، بمعنى أن هذا المسلم يثق في وعد ربه وثوابه الجزيل له عندما يأتي لبيت الله الحرام حاجًا أو معتمرًا أو لصلاة تعدل مئة ألف صلاة، ويحرص ألا يضيع هذه الفرصة التي قد لا تتكرر مرة أخرى، فيأتي سلوكه وتعامله وفق تعاليم الإسلام قدر استطاعته.
إذا، الأمل موجود في هذا المسلم ليكون إنسانًا آخر إيجابيًا نشطًا فعالاً في مجتمعه قادرًا على إحداث تحولات هائلة، ولكن شريطة أن تتوفر لديه الثقة بأن ذلك الأمر سيعود عليه بفائدة حقيقية وليس وعودا وهمية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية