العدد 2359
الثلاثاء 31 مارس 2015
banner
ما قبل العاصفة (1) عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الثلاثاء 31 مارس 2015

لم يكن غريبًا على بلاد الحرمين الشريفين أن تتخذ من الهجرة النبوية دروسًا وأن تأخذ بأسباب النصر والنجاح والتخطيط الجيد المدروس كما فعل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
لا أعرف لماذا خطر ببالي حدث هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وأنا أتابع أحداث وتطورات عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ومعها دول خليجية وأخرى عربية بدعم دولي كبير.
لقد نظرت إلى هذه العاصفة على أنها انتقال بالنظام والواقع العربي من حال إلى حال مختلف تمام الاختلاف إذا ما تبعت هذه العاصفة الخطوات الضرورية للتأكيد على دلالاتها الاستراتيجية وتبعاتها السياسية والأمنية ورسائلها الإقليمية والدولية.
أخيرًا وبعد طول انتظار هبت رياح الفرح والسعادة على الشعوب العربية التي ظلت طويلاً تمني النفس بموقف حاسم ورد فعل حازم تجاه ما تشهده المنطقة من أوضاع تعيسة فقط على الشعوب العربية لكنها مبهجة لشعوب أخرى شامتة في العرب وراغبة في احتلالهم والقضاء على وجودهم.
لقد كادت الشعوب تفقد الأمل في صحوة عربية قوية تجاه أحداث كثيرة تموج بها المنطقة وتنتقص من الميزان العربي لصالح موازين دول أخرى إقليمية طامحة في الانقضاض على الدول العربية ومحوها من خارطة المنطقة واحتلالها دولة تلو الأخرى.
طغت إيران في الأرض العربية وفسدت بكل أنواع الإفساد وبطشت بمختلف أنواع البطش وتجبرت غاية التجبر بعد أن وجدت فرصًا سانحة هيأتها بيئة دولية متواطئة ودول عربية منشغلة في أوضاعها الداخلية منعزلة عن بعضها البعض.
وفي الوقت الذي ظن البعض أنه حان الإعلان عن الوفاة الرسمية للمنظومة العربية، كان للمملكة العربية السعودية رأي آخر ورد حاسم وقرار رادع وهو وضع حد لتدخلات إيران ومحاولاتها المجنونة لنشر الفوضى والفتن في أرض العرب، فكانت عاصفة الحزم وكان الإعلان في فجر الخميس 26 مارس 2015 عن الضربات العسكرية للدول المشاركة في التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن، حيث باشرت المقاتلات الحربية استهداف مواقع الحوثيين بعد أن أعطى العاهل السعودي الضوء الأخضر لانطلاق العمليات العسكرية في تمام الساعة الـ 12 منتصف الليل.
لقد قدمت السعودية نموذجًا رفيعًا في الإعداد لتلك الحملة العسكرية وتوفير المعطيات اللازمة لنجاحها والأجواء الدافعة لتحقيق أهدافها دون إزعاج أو معرقلات إقليمية أو دولية، إذ سبقت عاصفة الحزم تحركات سعودية أثارت كثيرا من الإعجاب والتساؤلات في ذات الوقت، ولم يكن لأحد أن يعرف الغاية الحقيقية لهذه الجهود والتحركات إلى أن جاء يوم السادس والعشرين من مارس 2016.
المنطقة العربية كانت ملبدة بملفات شائكة كثيرة أهمها وجود خلافات بين دول رئيسية منها يمكن أن تشكل حائلاً أمام أي إجماع عربي على أية قضية رئيسية مثل التدخل العسكري في اليمن، إلا أن تحول الرياض إلى ملتقى لكثير من القادة والرؤساء هيأ الأجواء لتحقيق حد مناسب من التوافق العربي الذي يشجع على اتخاذ قرارات صعبة ودقيقة كقرار الحرب ضد الحوثيين وأعوانهم في اليمن وخارجها، ولذلك لاقى القرار تأييدًا عربيًا ودعما سياسيا وعسكريا، تجسد في مشاركة كل من مصر والأردن والمغرب في تلك الحملة العسكرية ضد اليمن، وفي تصريح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي وتأكيده أن العملية العسكرية في اليمن قانونية استنادا إلى المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك.
كما وفرت تحركات خادم الحرمين الشريفين قبل عاصفة الحزم بيئة اقليمية ودولية مؤيدة وداعمة لقرار الحرب، وهو ما انعكس في الترحيب الإقليمي والدولي الكبير بتلك الحرب، إضافة إلى استعداد باكستان للمشاركة في تلك الحرب والذي يعطي رسالة قوية لإيران بأن الورقة النووية معدومة الجدوى في هذه القضية ولا يمكن التلويح بها مطلقا حيث ستكون أكثر الخاسرين وآخر الرابحين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .