العدد 2301
الأحد 01 فبراير 2015
banner
العقلانية في السياسة الطريق الواقعي للنجاح د. نعمان الموسوي
د. نعمان الموسوي
الأحد 01 فبراير 2015



دأب الفلاسفة والمفكرون، على مرّ القرون، على التعويل على العقلانيّة لمعالجة قضايا الحياة، لما لهذه الصفة من تأثيرات إيجابيةٍ في عموم مناحي الحياة ومنها السياسية بالتحديد، وانتهوا إلى أن هذه التأثيرات تبقى بعيدة المنال ما لم يصدُقْ الإنسان مع نفسه، ومع الناس الذين وقفوا معه في الملِّمات، وساعدوه على تخطِّي الأزمات بأقلّ الخسائر الممكنة.
إننا بحاجةٍ أكثر من أيِّ وقت مضى لاستخدام العقل في مراجعة الذات بكل جرأةٍ من أجل إعادة ضبط ما يُطلق من رؤى وممارسات يومية سواءً في طريقة انتقاد ما يجري من حولنا أو تقويم ما نراه معوجّاً، أو في طرح المبادرات المدروسة والدعوات المقبولة، وليس بترك الحبل على القارب، فالعقلانية مهمة عقلية وأخلاقية رفيعة يؤديها الإنسان الذي يتسم بتفتح الذهن وسعة الأفق لتصبح سمةً منهجيةً تميّز المفكر الذي يستعين بالاستقراء والتمحيص معياراً يعتمده في بحثه عن الحقيقة ونقيضها، وإيجاد الحلول الناجعة والمخارج المنطقية، وكلما ابتعد عن العوامل العاطفية أو النفعية في تفكيره الواقعي، اقترب أكثر من الوصول إلى الحقيقة.
لكنني أعتقد أن الطريق أمام سيادة العقلانية في الفكر والممارسة في مجتمعاتنا العربية عامةً، والخليجية على وجه الخصوص، لا يزال طويلاً، ومحفوفاً بالمخاطر. وثمة عدة أسباب لذلك، وفي مقدمتها عدم استيعاب هذا المفهوم في حياتنا اليومية، والمحاولة الدءوبة لربطه قسراً بصفات غير حميدة بأقل تقدير، فحينما يطالب المرء الأطراف المشاركة في اللعبة السياسية بضبط النفس، والتفكير في مستقبل الوطن قبل الإقدام على خطوات متهوِّرة تقود البلاد والعباد نحو المجهول، غالباً ما يُوصم بالجُبْن والتخاذل، والعزوف عن التضحية، ومحاباة الجور.
السبب الثاني هو أننا لم نترك مساحةً مناسبةً، ووقتاً كافياً، لعقولنا كي تشتغل في تحليل الواقع بعيداً عن وصاية الآخر، سواءً كان مصلحاً اجتماعياً أو دينياً أو قائداً سياسياً، فالفرد في مجتمعنا غالباً ما ينظر إلى الأوضاع السياسية لا بمنظاره الذاتي هو، بل بمنظار الشخص الذي يشهد له الكثيرون بالحكمة وبُعد النظر، ربما لأنه لم يعتد على التفكير بهذه الطريقة، وقد تفسِّر ذلك ظاهرة تكالب الناس على انتظار “القول الفصل” في هذه القضية السياسية أو تلك من فُلان تحديداً، وفي معظم الأحيان يكون رجل دين بارز مثلاً، لكنه في النهاية مجرد فرد يملك رأياً في قضيةٍ، فلماذا يُعتبر رأيُهُ الأكثر سداداً أو تعقّلاً، مع أن هناك الكثير من الآراء الأخرى المغايرة له، والتي يجب أيضاً مناقشتها قبل اتخاذ القرار الصائب؟
أما السبب الثالث لتراجع سمة العقلانية في مجتمعاتنا فيكمن في عدم التفكير برسم المستقبل، والإيغال في التفكير في معطيات اللحظة الحاضرة، وفي الغالب يؤدِّي مثل هذا النمط من التفكير اللحظي إلى تسيّد العاطفة على العقل، والانفعال على المنطق. إننا نريد حلولاً جذريةً لأوضاعنا السياسية “الآن الآن وليس غداً”، نريد سيادة الديمقراطية والمساواة دفعةً واحدةً دون أن نتوقف لنسأل أنفسنا ما إذا تمثلنا هذه المفاهيم بشكلٍ صحيحٍ أو أننا لا نزال حائرين بشأن الاتفاق على مفهوم الحرية مثلاً، وكيفية تطبيقه في مجتمعنا، ومازلنا نصارع في استيعاب مفهوم الديمقراطية، ولا ندرك أن المجتمعات الغربية المتقدمة احتاجت لقطع طريقٍ شائكٍ محمِّلٍ بالآلام والتضحيات والدموع كي تصل إلى مستوى الديمقراطية الذي بلغته الآن.
والسبب الرابع، وليس الأخير بطبيعة الحال، الإنسان البسيط في مجتمعنا يبحث دوماً عن المُنقِذ الذي يزيح عنه متاعب الحياة، ويشرِّع له أبواب النعيم. إنه مستغرق في خياله بحثاً عن هذا “البطل”، ولذلك لا يستطيب الإنصات إلى صوت العقل والفطنة، وإنما تهزّه الشعارات البرّاقة من الأعماق، وتحاكي رغباته الآنية وأمنياته، ولا يجد مسوّغاً للابتعاد عن عالم الأحلام الذي بناه لنفسه، فقد يمثِّل هذا العالم بالذات أقصى طموحاته في زحمة الحياة اليومية، وكفى.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .