العدد 2199
الأربعاء 22 أكتوبر 2014
banner
أوروبا تقيد الحريات لمواجهة “داعش” (2) محمد علي إبراهيم
محمد علي إبراهيم
الأربعاء 22 أكتوبر 2014



قد يغضب مني الكثيرون، ويرون أنني أدعو للديكتاتورية والقمع والتدخل الأمني في حرية كل شخص وحياته، ولهذا أريد أن أسألهم عن رأيهم في اجتماع لوكسمبورج وتعليقاتهم على ما قاله وطالب به وزراء داخلية وعدل أوروبا، أوروبا وليست أفريقيا أو آسيا، إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا والسويد وهولندا والدنمارك وبلجيكا وليست جزرا أو مستعمرات متخلفة بدائية ومتوحشة مسكونة بالقمع والمظالم، وقال وزراء أوروبا ذلك وتحدثوا عنه بصوت عال وهددوا بأنه في حال رفض الشركات العالمية الاستجابة لهم فسيقررون ذلك بأمر القانون، ولم يجر ذلك سرا ولم أعلم أنا بما دار في ذلك الاجتماع عن طريق أصدقاء سريين حاضرين أو حكى لي أحد هؤلاء الوزراء عما جرى، فالكلام كله منشور في كل الصحف والمواقع الإخبارية الأوروبية والأميركية، وأظن لو أن الكلام فيه ما يخالف قواعد الديمقراطية وحرية الأفراد وحقوقهم، لكانت منظمات حقوق الإنسان في أوروبا والعالم قد تحركت وغضبت ورفضت وأدانت، أو كان الشباب أنفسهم في أوروبا ثاروا وصرخوا رفضا واحتجاجا، لكن لم يعترض أو يرفض أي أحد، فهناك اعتبارات للأمن القومي فوق أية حرية وتسبق خصوصية أي أحد، وحين تتعارض مصالح مجتمع مع حرية اي فرد فالمجتمع يبقى اهم من الفرد، وسلامة الجميع وأمنهم تسبق حرية الإنترنت أو خصوصيته، ولست أقول ذلك الآن داعيا لأي شيء أو قاصدا أي شيء غير الذي أقوله بالضبط، وكل ما أريده هو أن يفكر الناس وأن يتساءلوا أيضا، أن يفكروا ويعرفوا ويراجعوا أنفسهم في كثير جدا مما يقولونه أو يقال لهم.
بل إن وزراء داخلية وعدل أوروبا، وفي نفس الاجتماع أيضا، قرروا الاتفاق مع شركات الطيران الأوروبية وغير الأوروبية لمنع سفر أي شاب أو فتاة الى بلدان معينة، مثل تركيا، بدون دواع واضحة وذلك للحد من سفر هؤلاء الشبان والفتيات للالتحاق بداعش، ومن جديد لم يغضب أحد ويعتبر ذلك انتهاكا لقوانين ودساتير أوروبا التي تصون حرية السفر والتنقل والعيش لأي إنسان، بل إن الاجتماع الوزاري الأوروبي أعلن أيضا، بمنتهى الوضوح والتأكيد، أن بلدان أوروبا باتت تعرف من الذي سافر من شبابها وفتياتها الى سوريا والعراق، وستتم مراقبة هؤلاء فور عودتهم الى بلدانهم وقد يجري اعتقالهم ايضا إن بدا أنهم متمسكون بآرائهم المتطرفة وينوون نقل هذا التطرف الى مجتمعاتهم الأوروبية، ويجري ذلك كله بينما الناس هنا في مصر لا يزالون يصرخون معتبرين أن اشتراط إبراز البطاقة الجامعية للسماح لأي طالب أو طالبة بدخول كلياتهم بمثابة انتهاك للحرية وتضييع للحقوق وغياب للديمقراطية، ويقال في ذلك كلام حماسي وعاطفي صارخ وشاعري ورومانسي عن الحرية، وكأن شباب أوروبا لا يملكون نفس الحق في تلك الحرية والديمقراطية أو كأن بلدان أوروبا باتت مجرد ديكتاتوريات عسكرية يجري حكمها بالحديد والنار، ويبدأ الهجوم المنظم علي شركة “فالكون” للأمن باعتبارها عدوة الديمقراطية وأداة العسكر لقطع الألسنة وانتهاك قدسية الحرم الجامعي. والمأساة إعلامنا الذي يسكت عجزا أمام كل ذلك وكأنه ليس لديه ما يقوله، مع أن هذا الإعلام يستطيع دون أن يتكلم أن يكتفي فقط بنقل عشرات الصور التي تؤكد انه لا شيء في أوروبا والولايات المتحدة اسمه حرم جامعي، والقانون الذي يجري تطبيقه في الشارع يجري في نفس الوقت تطبيقه في أية جامعة، إعلام لم يكلف نفسه حتى عناء متابعة هذا الاجتماع الوزاري الأوروبي ونقل ما دار فيه لعموم المصريين ولو من باب التحريض على التفكير والتأمل ومراجعة النفس، وأنا أدعوك الآن ألا تبقى أو تكون مجرد تمثال صامت متحجر ولا يفكر ولا يتغير، أدعوك لأن تعيش حياتك في حرية طالما لا تؤذي أحدا بتلك الحرية، وأنك لست مضطرا لأن تردد نفس الكلمات وتخضع لنفس الأفكار القديمة، فطالما أنت على قيد الحياة، يبقى من حقك أن تعاود التفكير في كل شيء وكل أحد، يبقى من حقك أن تسأل وتعرف وتفهم وتتغير وتقبل وترفض وأن تعيش أيضا.

إيلاف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية