العدد 2139
السبت 23 أغسطس 2014
banner
إسلام وإخوانه آزاد إسكندر
آزاد إسكندر
السبت 23 أغسطس 2014

وصلت قصته إلى الإعلام لكنه لا يمثل حالة فريدة من نوعها. “إسلام”، ذلك الشاب الجامعي المصري الذي كان في سيرته الأولى إنساناً “طبيعياً” مألوفاً، يدرس الحقوق ويرتاد “الجِم” ويمازح أصدقاءه كما يظهر في صورٍ من حياته الأولى قبل أن يتطوع للقتال في سوريا ثم في العراق ليصبح من جند الخليفة المزعوم. تبدو مسافةً أسطوريةً تلك التي قطعها في طريق تحوله من الفتى الذي كان إلى الوحش الذي انتهى إليه. صار اسمه أبا سلمة، وهو يظهر على صهوة جواده ملوحاً بسيف متباهياً بقطع الرؤوس رؤوس الكفار في جهاد داعش. أقولُ “تبدو” لأن المسافة بين الرجلين أقصر مما قد نظن.
ينبغي أن نفرق أولاً بين المقاتل المرتزق والمقاتل المؤمن. إسلام “أو أبوسلمة” وأمثاله من مقاتلي التطرف الديني ليسوا مرتزقة، بل هم مؤمنون بصواب ما يفعلون، الشواهدُ من قصصهم تدل على ذلك. مقاتلو “العقيدة” من هذا النوع يستمدون دوافعهم وأفكارهم عادةً من محيطهم ومجتمعاتهم، إيمانهم لا يأتي من فراغ وإنما من واقع معاش هو الرافد الذي يغذي توجهاتهم، ولهذا فإن الحلول الأمنية والجهود العسكرية لا تفيد لوحدها على المدى البعيد في التعامل معهم. الحل الحقيقي هو تجفيف منابع الظاهرة حيثما وُجِدَت في المجتمعات الحاضنة لها، لا الاكتفاء بإدانة الأشخاص والتبرؤ من أفعالهم دون معالجة حقيقية لأسبابها ومحركاتها بعد معرفة تلك الأسباب والمحركات والاعتراف بها.
إسلام وإخوانه هم رأس جبل الجليد المتمثل في منظومة قيم ومفاهيم موجودة في مجتمعات تشكل الخزان الرئيسي الذي يزود التنظيمات الإرهابية بمصادر لا تنضب لمتطوعين جدد. على الأقل قسم من مقاتلي الإرهاب الديني هم الحصاد المُر لما تزرعه المؤسسة الدينية والمدرسة والبيت والإعلام من قيم وتصورات عن الذات والآخر والمقدس. وإذا كان هؤلاء المقاتلون يُعَدون بالآلاف فإنهم يستندون على تأييد وتعاطف شرائح لا يُستهان بها في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. ظاهرة الإرهاب ذات أبعاد متشعبة اقتصادية واجتماعية وسياسية ودولية، لكن بلا شك جزء مهم من منابع المشكلة يكمن في المتداوَل الديني الشائع على المستويات الشعبية والرسمية والإعلامية.
هي معركة موازية لتلك التي تُخاض بالرصاص، تتلخص في تفكيك خطاب الكراهية وتعرية القيم والمفاهيم التي تؤدي في نهاية المطاف إلى سفك الدماء. علينا جميعاً ان نخوض هذه المعركة إذا شئنا أن نحول دون إنتاج المزيد من قطّاعي الرؤوس، ولن نربحها أبداً إذا لم نتصدَ بصراحة للعلل الحقيقية الكامنة فينا.

إيلاف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .