العدد 2603
الإثنين 30 نوفمبر 2015
banner
الانتفاضة الثالثة فوق مأزق الخيارات (2) ظافر الخطيب
ظافر الخطيب
الإثنين 30 نوفمبر 2015

لم يكن هناك شك بأن مستوى الإحساس بالقهر والغضب الناتج عن الممارسات العدوانية للاحتلال الصهيوني من جهة وعقم سياسة اللاخيارات الفلسطينية وصل إلى السؤال متى ستنفجر الحالة الفلسطينية؟ لكن ذلك لم يصل إلى مستوى توقع هذا الشكل من الفعل الشبابي المشتبك بأشكال الطعن والدهس والرجم بالحجارة، بتصميم عال واندفاعة متناهية، لتعيد للقضية الفلسطينية جوهرها النضالي التحرري.
تفسير هذه الحركة، والارتباك في مداها والجدل حول مسمياتها بين هبة وانتفاضة، بين فورة شبابية لا تلبث أن تهدأ أو مرحلة نضالية جديدة تقضي على ما تبقى من أوسلو وأوهامه، هو ما وقعت فيه القوى والنخب السياسية، التي تباطأت عن فهم واستيعاب ما يحدث وهو ما كان واضحاً على مستوى الحراك السياسي المصاحب للانتفاضة والذي قارب الصفر باستثناء حركة البيانات السياسية والخطب الرنانة. بعد مضي أكثر من شهر على اندلاع المواجهة صار لزاماً تحديد بعض المسائل تحديداً نهائياً.
إذا كانت الانتفاضة عبارة عن حراك دائم متسلسل ممتد، زمانياً وجغرافياً، فنحن إذا أمام انتفاضة حقيقية بكل المقاييس.
إن هذه الانتفاضة انطلقت بمعزل عن إرادات القوى السياسية. إن وقود هذه الانتفاضة هم الشباب، وهم يمتلكون الإرادة الكافية لمواصلة هذه العملية مهما بلغت من أثمان تدفع كقربان من أجل الحرية والاستقلال.
في حسابات الربح، إن الشعب الفلسطيني في انتفاضته لا يخسر سوى قيوده، فالحالة التي كانت قائمة باتت شبه مستحيلة، وعلى الرغم من الكلفة العالية فإنها خلقت فرصاً وحققت انجازات لم يكن بالإمكان تحقيقها اتكاءً على مسارات التسوية ويمكن استعراض بعض هذه الانجازات: عودة الحرارة إلى الصراع الفلسطيني – الصهيوني، إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وحدة الشعب على قاعدة وحدة المواجهة مع العدو، تراجع القصف الإعلامي المتبادل بين طرفي الانقسام، كشف وتعرية الممارسات الفاشستية لجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، نمو تيار مقاطعة البضائع ليس فقط المنتجة في المستوطنات بل على مستوى الكيان الصهيوني، ظهور التيار الشبابي كقائد ميداني ومحرك للفعل الانتفاضي بمعزل عن توجيهات الأطر السياسية، تكريس حالة من الخوف وانعدام الأمن في صفوف الكيان الصهيوني، تراجع المؤشرات الاقتصادية بفعل الخسائر التي أصابت قطاع السياحة بشكل أساسي. وهناك أيضاً مخاطر تحيط بالانتفاضة، على ضوء بقائها دون قيادة تدير عمليات الاشتباك وفق تكتيكات واستراتيجيات قادرة على إدامة المواجهة وتطويرها، ويجب التعامل بشكل جدي مع مجمل هذه المخاطر بما يؤدي إلى حماية الانتفاضة، ومن أبرز هذه المخاطر الدعوة لتكتيكات لا تسمح بها موازين القوة الحالية أو تسمح باستغلالها من قبل العدو مثل عسكرة الانتفاضة، فمثل هذا الخيار تم اعتماده سابقا بحيث أدى إلى سهولة كشف عناصر الانتفاضة المحركة والفاعلة والانقضاض عليها. وبقاء الانتفاضة بدون رؤية سياسية، بسبب غياب أُطر سياسية فاعلة وواضحة قادرة على الدخول بنقاش جدي من أجل إنتاج استراتيجية فلسطينية موحدة تستطيع توحيد التكتيكات وتطويرها والرغبة باستثمارها على ضوء عدم وضوح موقف السلطة وبقائها على مسافة من العمل الانتفاضي. وأيضا التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني الذي مازال موجوداً وفاعلاً، وبقاء وضعية الانقسام بين سلطتي غزة والضفة، على الرغم من توفر فرصة كبيرة لاستعادة الوحدة للحركة الوطنية الفلسطينية.
ومما ما تقدم تبرز سيناريوهات محتملة: أولاً: استمرار الانتفاضة وتطوير أداء القوى الفلسطينية السياسية، بما يؤدي معها إلى صياغة استراتيجية فلسطينية واحدة. ثانياً: أن نكون أمام مبادرة أوروبية، أو عربية - أوروبية، هذه المبادرة قد تكون عامل ضغط على أبومازن وفريق أوسلو، وقد تتضمن هذه المبادرة بعض المكاسب الوهمية أو الصغيرة، لكنها قد تكون بمثابة السم في ملعقة العسل، فالهدف إنهاء الانتفاضة. ثالثا: الهروب إلى الأمام، استخدام قوة مفرطة ونقل المواجهات من الضفة إلى غزة، والبطش بالعناصر المحركة للانتفاضة الثانية.
لقد حدثت هذه الانتفاضة بتوقيت عبقري يخلق إمكانية استمرارها وتطويرها بما يجذب قوى أخرى للمشاركة فيها أو إسنادها، إذ إنها حدثت بتوقيت يتزامن مع الانكفاء الانتخابي الأميركي عن الملفات الخارجية، ومع انهيار فكرة الدولة في العالم العربي، دون أن ننسى مأزق حل “الدولتين” وهو ما يعني أن الظروف الموضوعية التي كانت تؤثر بالقضية الفلسطينية تتحول إلى ظروف تساعد على إدامة التدافع النضالي الفلسطيني في حركته الانتفاضية، وعلى القوى الفلسطينية مجتمعةً أن تكون على مستوى المسؤولية التاريخية، وأن تتعامل مع ألف باء الحركة الانتفاضية الفلسطينية بشكل جدي، من خلال إعلان حالة طلاق بائن مع كل الحالة السياسية السابقة التي كادت تودي بالحقوق الفلسطينية في معرض المساومات الدولية والإقليمية.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية