العدد 2451
الأربعاء 01 يوليو 2015
banner
الجهاد بين العبادة والمفسدة عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأربعاء 01 يوليو 2015

مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين اتسعت مساحة الجهاد مع تفجر الأوضاع في المنطقة العربية كما هو الحال في أقطار الخليج العربي والعراق وسوريا واليمن وليبيا. فأصبح الجهاد الذي هو ركن من أركان الدين الإسلامي وسيلة يمتطيها كل مَن أراد البحث عن الأضواء أو النيل من خصومه، أو المتآمر مع عدو متربص لبلاده، ويتنعم بها كل مَن وجد ضالته في فرقة سفهاء الأحلام وحديثي السن وكثيري الجهل والانحراف. وحصد هذا الجهاد ثماره الحنظلية بفضل دعاته ومموليه وحاضنيه والمتسترين عليه دمارًا وهلاكًا للإنسان، وفوضى عصفت بالبلدان، فتحول بذلك من جهاد عبادي إلى شبهة مغرضة، تبرأ منه الإسلام وأهله بعد أن نُسخ بخبث تأويلي وتنزيلي مُشين أخرجه من مسماه الشرعي وأهدافه ومعانيه النبيلة إلى ممارسات غوغائية بلا قيم ولا دين.
لقد سمى دعاة الجهاد السلبي إياه “الحرب المقدسة” وتفننوا فيها وألبسوها ثوبًا فضفاضًا من المعاني المُموهة المُلفقة، وبلغ الأمر في ذلك أن أصبحت كلمة الجهاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخُلق والهمجية وسفك الدماء بسيوف على رقاب العباد، مُتقدة صدورها بنار التعصب، مُتطايرًا من عيونهم شرار الفتك والنهب، يزحفون على دماء ضحاياهم غير آبهين بصرخاتهم وتوسلاتهم، مُخيرين بين أن يكونوا معهم أو يتم ضرب أعناقهم. ليس ذلك من أجل دين ولا من أجل أمة وإنسانها، بل إرضاءً لشهواتٍ دنيئة وإطفاءً لمطامع خسيسة، أثاروها حربًا ملعونة على الأمم وشعوبها، جاءوا يبحثون عن أسواق لبضاعتهم النتنة وأراضٍ لمستعمرات ليستعمروها ويستبدلوا أهلها ويستولوا على منابع ثرواتها دون أصحابها الشرعيين، يقطعون على البلاد سبل رزقها وعلى أهاليها طريقهم إلى الحياة الكريمة.
كان على الأدعياء والدعاة المتشيخين العمل على ضبط مسار الجهاد الديني وفق الأهداف التي وضعتها الشريعة السمحاء “القرآن والسنة”، من أجل حماية الشريعة وأهلها، وعدم استغلال الجهاد من أجل بسط السيطرة على العباد وسفك دمهم. والجهاد الشرعي إما أن يكون بالمال أو اللسان أو البدن (القتال) كما قال رسول الله (ص) (قاتلوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).. ولم يقل قاتلوا المُسلمين واعتدوا على الآمنين. ويأتي الجهاد القتالي كآخر الخيارات الثلاثة لكونه العمل الاضطراري الذي ليس معه مجال آخر لتحقيق غايات الجهاد وذلك بدون تعسف في استخدام السلاح كما قال سبحانه وتعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) ـ البقرة 216.
والبديل عن الجهاد القتالي هو الجهاد السياسي الذي يُحقق أهدافه من دون تضحيات المقاتلين وبدون نزف جراحاتهم وزهق أرواحهم، ويجني مكاسب أكثر من الجهاد القتالي الذي يُضيع تضحيات المقاتلين ويزهق أرواحهم. لقد فتح الجهاد القتالي أبوابا واسعة ليس من بينها أحد أبواب الجنة الثمانية للذين يعتقدون أنهم ذاهبون إليها بسفكهم دماء الأبرياء في شرق الأرض وغربها، ومن بينها فتح باب بيع السلاح وتهريبه وتجارة الدم، باب فتاوى القتل وأجواء الفتن وسبي النساء، واستبدلت بهذا الجهاد بيئة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحلت محلها بيئة التنمية القتالية لاستنزاف طويل الأمد، فزادت مآسي أقطارنا وشعبنا وارتفع مؤشر مكاسب غيرنا.
أصبح الجهاد اليوم نوعا من الخواء الحضاري، ومنقلبًا على العقائد السماوية، ممارساته مضادة للحوار ومانعة لاستخدام العقل، فأصبح مدخلاً للإرهاب ووسيلة لانتهاك الحقوق، وفريسة لتبرير القضاء على الخصومات السياسية وتوظيفه ضد التيارات السياسية والمذهبية المخالفة لهؤلاء الجهاديين المُزيفين. بل جعلوه فرضًا دينيًا لازمًا لا يجوز عدم الإتيان به، بعد أن تعذرت لدى أدعيائه الرؤية العقائدية وسلامة الغاية التي ترتبت عليها منافع أحادية لم تحترم المواثيق والعهود بين الدول والهيئات والأفراد. إن للجهاد الشرعي أحكاما وأهدافا نبيلة، ديدنه صحة التنزيل وصدق التأويل، ولم يكن يومًا وسيلة لإفساد وهلاك الحرث والنسل، ومَن يُرد الإتيان به عليه أن يدرك أحكامه ومقاصده، وهي من واجبات أهل العِلم والفهم الديني من العلماء والمشايخ، ولا يعتمد هذا الجهاد على الكذب والغدر.
فهل نستسلم أمام الجهاد الغوغائي المُزيف الغادر؟ إن انتشاره وتوسعه لا يعني ذلك أن نخضع له ونستسلم، بل يجب علينا عدم الإذعان له ولتهديداته، والإعلان الصريح لوقوفنا وجهادنا ضده، فالجهاد الشرعي هو الحقيقة التي تخيف أدعياء جهاد المفاسد والانحراف، لكون الجهاد الشرعي يعتمد على المفاهيم والمعاني والأهداف الحقيقية المغايرة لمفاهيم جهادهم المنحرف، فرغم ما يمتلك هؤلاء العتاة من قوة وسلاح وأراض استولوا عليها بالقهر والقوة إلا أننا نملك قوة أكبر من قوتهم، نملك قوة الحق والإيمان، فلنقف جميعًا ضدهم لحماية أنفسنا وبلادنا وعقيدتنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية