العدد 2450
الثلاثاء 30 يونيو 2015
banner
شكرًا لتونس عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الثلاثاء 30 يونيو 2015

من تداعيات ما سُمي بالربيع العربي انهيار الأقطار العربية وتفتت الشعب العربي، وتحوله إلى أحزاب ضعيفة وألوية متقاتلة، تأبى الاتحاد وتتغطى بالعقائد، وما حدث للمملكة العربية السعودية واليمن والكويت ومصر وليبيا وسوريا وقبلها العراق ما هو إلا نتاج لهذا الخراب الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير المُزَورة اجتماعيًا وإنسانيًا. سواء كان المنتهكة حياته عربيًا أو أجنبيًا فهو إنسان، وتأبى الأديان السماوية أن تقضي على حياة الإنسان إلا عن طريق الشرع، والشرائع السماوية تؤكد حرمة النفس الإنسانية أيًا كانت وأينما حلت.
وبعد الجريمة الداعشية في تونس أقدمت الدولة التونسية على قرار بإغلاق (80) مسجدًا، كانوا يستخدمونها لتصدير الفوضى والاضطراب إلى الداخل التونسي، باسم الإيمان والمذهب يتم اقصاء الآخر وتهميشه، والحض على الفتنة وقتل مَن لا ينتمي إلى دينهم ومذهبهم، فبأي حق يُفرقون بين هذا وذاك؟ وبأي ذنب يتم قتل الإنسان سواء كان عربيًا أو أجنبيًا؟ سواء كان مُسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا؟ سواء كان سنيًا أو شيعيًا؟ سواء كان بروتستانيًا أم كاثوليكيًا؟ سواء كان المغدور أسود أم أبيض؟ فالإنسان لا يختار أصله وفصله ودينه ولونه، فالله يخلق ما يشاء لعبادته. والثرى حينما يستقبل جسد الإنسان لا يسأل مَن ذا يكون ولا من أين أتى؟
والقرار الوطني التونسي بشأن إغلاق المساجد لم يأتِ من فراغ، ولم يأت مُعاداة للدين الإسلامي، خصوصا في هذا الشهر الكريم الذي يحتاج فيه الإنسان المسلم إلى المسجد ليؤدي عباداته وطقوسه في شهر رمضان. وما حدا بالدولة التونسية اتخاذ هذا القرار هو الاستخدام السيء للبعض للمساجد بما لا يتوافق مع العقيدة الإسلامية ولا مع حرمة هذا الشهر الفضيل ولا مع مبادئ استخدام دور العبادة، فدور العبادة وجدت من أجل تحقيق العلاقة الوجدانية والإيمانية بين الإنسان وربه، بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان وذاتيته الإنسانية، وتحقيق العلاقة الوطنية بين المواطن وبلاده. الدولة التونسية دولة إسلامية وأكثرية مواطنيها من المسلمين، وقيادتها من المسلمين، ومن مبادئها التعايش مع الآخر ونشر السلام، فهي وإن كان يقول الآخرون إنها دولة علمانية إلا أنها ليست دولة تنتمي إلى التطرف الإسلامي، بل أسست لها منهجًا قائمًا على تحقيق التوازن السياسي والعدالة الاجتماعية، فحققت بذلك صرحًا متقدمًا في العلاقة بين الفرد والدولة، بين الإنسان وأخيه الإنسان.
ونحن في ظل هذه الأوضاع السياسية والأمنية المتتالية التي تعصف بنا وبأقطارنا العربية نحتاج إلى وقفة صادقة مع أنفسنا ومع ذاتنا ومع مؤسساتنا الوطنية والتعبدية التي يجب أن نستخدمها من أجل تحقيق أهدافنا الوطنية والتعبدية، فالمساجد والكنائس ودور العبادة وجدت من أجل تحقيق العلاقة الروحانية للإنسان، فالمساجد ليست مجرد موضع تؤدي فيها العبادة بل بيت الله سبحانه وتعالى ومجمع المؤمنين ورمز الإيمان، والجلوس فيها يكون للنجوى والهدوء النفسي والتأمل، وكل هذه ضروب من الجمال النفسي تناسبها قدسية المكان، وما أسبغ عليها من آلاء الجمال والفن المعماري، ولأجل ذلك يجب أن تبقى المساجد نقية نظيفة خالية من أية شائبة سياسية واجتماعية ومذهبية، وأن تبقى مُشرقة بمرتاديها ومعانيها.
إن ما جعل من الدولة التونسية أن تتخذ هذا القرار وفي الظروف الأمنية التي تشهدها تونس والأقطار العربية هو أن المساجد هي بيوت لله ولجميع المسلمين، وليست ملكًا لأي من الجماعات الإسلامية التي تريد الاستفراد بالدين وجعله حِكرًا لها دون غيرها، فهذه الجماعات المتلونة لم تستخدم المسجد من أجل هداية الناس، بل استخدمته ليكون مرتعًا لأجنداتها السياسية وملاذًا لأفكارها التعصبية البعيدة عن الدين، والمناهضة للإنسان، استخدمته مكانًا للتشتت لا للجمع، للخصام لا للوئام، للتباعد لا للتآلف، فكفرت هذا وأحلت دم ذاك كأن الله ما خلق غيرهم ليكونوا مسلمين؛ وعلى مدى التاريخ يفخر تاريخنا العربي والإسلامي بدور المساجد العلمية والوطنية والدينية التي كانت مركزًا للإيمان، وحاميةً للأوطان. وعندما بنى رسول الله (ص) مسجده في المدينة لم يبنه لنفسه بل كان فكرة وروحا، فكرة بناء المسجد ليجمع فيه المسلمين ليؤدوا صلاتهم، وروحه روح الإسلام، لذا لم يكن لجماعة إسلامية معينة بل كان لجميع المسلمين.
وحسن ما فعلته الدولة التونسية بتنظيف مساجد المسلمين من التبعية والتعصبية والانتماء لهذه الجماعة أو تلك، فلا يحق لأية جماعة أن تمتلك لنفسها مسجدًا، فشرعية المسجد الدينية لجميع المسلمين وبإدارة مشروعة من الدولة، الدولة هي المسؤولة عن إدارة وتجهيز واستخدام المساجد للصالح العام، وإن رأت أنه تم استخدامها لأغراض تسيء للصالح العام فعليها أن تحميها بالسيادة والقوانين والإجراءات، فما فعلته الدولة التونسية كان من ضرورات المحافظة على قدسية ونزاهة المساجد أولاً، وللحفاظ على أمن وحياة الشعب التونسي ثانيًا، وثالثًا من أجل الحفاظ على أمن ووحدة الدولة التونسية. فشكرًا لتونس وحفظها الله من كل مكروه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .