العدد 2111
السبت 26 يوليو 2014
banner
الإسلام السياسي عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
السبت 26 يوليو 2014

لقد أثبت الإسلام السياسي في عدد من الأقطار العربية عدم قدرته على إدارة شؤون الحُكم ومازال يفتقد إلى هذه القدرة كما رأينا في مصر وليبيا وتونس، فقد كان الهدف الأساسي من التحرك الشعبي في عدد من الأقطار العربية هو تحقيق نقلة نوعية في التحول السياسي والديمقراطي، وعلى الرغم من الوعود التي أطلقتها الأحزاب الإسلامية بالتزامها بقواعد العمل الديمقراطي إلا أنها لم تعمل على تحقيق تلك الوعود، وذلك بسبب افتقادها إلى أدبيات الحرية والثقافة الديمقراطية والتعايش مع الآخر، والتزامها بمفردات ومصطلحات التهميش وإقصاء الآخر وهي لا تتوافق مع ممارسة العملية السياسية وفي إدارة شؤون الحُكم والدولة في عصرنا الحاضر. وبدلاً من ذلك فإنها اعتمدت على مفرداتها وعلى قوتها البشرية المؤيدة والمساندة لها التي استفادت منها في تحريك الشارع وتأجيجه كلما تناطحت وتلاسنت مع القوى السياسية الوطنية الليبرالية والأحزاب العلمانية.. فهي تمتلك أعداداً بشرية جسدية إلا أنها لم تستطع خلال سنوات عملها السري والعلني أن تهيئ لها القاعدة الفكرية الواعية الديمقراطية المدركة لحاضرنا المعاصر الذي يرفض العودة إلى ماضي الأمة المقهور والمليء بالهزائم السياسية والمتخم بالفساد الاقتصادي والمتأجلج بالتخلف الاجتماعي.
لقد تناست الأحزاب الإسلامية ومفكروها وقواعدها بأن البنية السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لحاضرنا المعاصر لا تتلاقى مع مشروعها المتمثل في إقامة “دولة الخلافة الإسلامية”، ولما استلم مقاليد الحُكم أعضاؤها استخدمت مقدرات الحُكم ووسائله في الصراع مع القوى الوطنية الليبرالية والعلمانية. وهذا المنهج نتاج تقصير الجماعات الإسلامية في تطوير عقليتها العلمية والمنهجية الفاعلة لمتغيرات حاضرنا المعاصر. وحتى تحقق أهدافها “في التحول السياسي والديمقراطي” نهجت منهج الاقصاء والتهميش ضد القوى السياسية وبتحصين مراكز دولتها بأتباعها ومؤيديها متجاوزة في ذلك كل وعودها السياسية والديمقراطية، حتى أصبحت مراكز الدولة ودوائرها ومؤسساتها متاعًا خاصاً لتلك الجماعات يُحرم على الآخرين دخولها.
وكما استأثرت الأنظمة العربية قبل عام 2011م بالسلطة فقد مارست هذه الجماعات نفس الأسلوب تحت ذريعة أنها حكومات منتخبة من الشعب. كان عليها قبل أن تستلم السلطة ومقاليد أمورها أن تتقبل مجموعة المفاهيم كـ “الحريات المدنية، دولة القانون، التعددية السياسية، الديمقراطية” وغيرها كي تكون قادرة على التعاطي السياسي والديمقراطي مع الأحزاب السياسية الوطنية الليبرالية والعلمانية التي تفوقها ثقافة في هذا المجال. إلا أن غياب منهج الحوار المتمدن حول طبيعة الدولة والعلاقة بين القانون والشريعة وبين الديني والسياسي قد أدى إلى تغييب ثقافتها لتلك المفاهيم والمصطلحات، عدا أن فهمها لتلك المفاهيم والمصطلحات ــ انها معادية للدين والتدين، حتى أن عددا من كوادر ومؤيدي الجماعات الإسلامية يتهمون مَن يؤمن بهذه المصطلحات والمفاهيم بأنهم زنادقة وكفرة.. بل أحلت دماء بعضهم.
لسنوات كثيرة ومازالت اقطارنا العربية وعدد من البلدان الإسلامية تعاني من “الإسلام السياسي” فليس هو مشروع واحد وفي دولة واحدة.. بل تنثر في عدد من الأحزاب والجماعات تحت مسميات مختلفة، وبألوان متغايرة في رؤيتها المتصارعة في توجهاتها، أدبيات مغلفة سياسيًا تختلط فيها الأضداد باسم الشريعة. لقد سلبت الجماعات الإسلامية وأحزابها الساحة السياسية في أقطارنا العربية بعد أن فقدت الأحزاب العربية الوطنية والقومية والعلمانية بريقها، في الوقت الذي شقت هذه الجماعات الشارع العربي واخترقته بسلاحها الذي تمثل في الخطاب البرغماتي غير المُعتمد على منهج ومرجعية إسلامية سياسية صحيحة أو مقبولة من الجميع.
تشهد منطقتنا العربية اليوم تحولات سياسية كبرى نتيجة للكثير من التغيرات البنيوية والثقافية والجغرافية والسياسية والاقتصادية من أجل انهاء عهود سياسية في بعض الأقطار السياسية والبدء بحياة سياسية جديدة تقوم على المشاركة الوطنية واحترام الحريات المدنية وبناء دولة القانون والمؤسسات واحترام الآخر والتعايش معه. وفي بعضها قامت على شعارات فارغة وأحلام كاذبة لأمل بفجر جديد للناس يدعو لبدء مرحلة جديدة لتكريس الإصلاحات، متناسية أن الإصلاح عملية متعددة المسارات يتشارك فيها المسار التربوي والقانوني والإداري والاقتصادي وليس فقط مسارا سياسيا. وهذا الأمر لم يكن في بال الجماعات الإسلامية وأحزابها التي اعتمدت على مركزية التأويل والتفسير في كل شيء وعلى الكم البشري وتأجيجه في الشوارع وتسليح بعضه بالحديد والنار.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية