العدد 2255
الأربعاء 17 ديسمبر 2014
banner
أين المواطن الصالح؟! أحمد جمعة
أحمد جمعة
الأربعاء 17 ديسمبر 2014

تجاوز للعقل والمنطق ما يقوم به البعض من البحرينيين ممن يعتبرون أنفسهم مواطنين صالحين ومسلمين ويدعون بالتقوى والصلاح، ولكنهم يتصرفون كما يتصرف الهمجيون عند القيام بتجاوز الذوق، بل وكسر القانون. خذ على سبيل المثال هذه الظاهرة التي يقوم من خلالها البعض بلصق إعلانات ورقية (عزاء عائلة فلان) على لوحة إرشادية للمرور تخفي معالم اللوحة وتفقدها مضمونها كما أنها تعدٍّ على جهة رسمية، أو (العرس بصالة المرحومة فلانة) وتلصق على لوحة لمركز شرطة أو على علامة مرورية ترشد السواق، بل هناك من ذهب أكثر من ذلك وقام بلصق العبارة التالية على مجمل اللوحات الإرشادية بشوارع المحرق وفيها جاء (استغفروا الله)!
السؤال لمن قام بلصق هذا الدعاء هل يرضى الله أن تشوه اللوحات الإرشادية المرورية التي قامت إدارة المرور بوضعها لتسهيل الحركة المرورية على الشارع؟
هل من الدين تشويه اللوحات والعلامات الرسمية التي ترشد المواطن إلى مركز شرطة أو مستشفى أو جهة ما؟ كيف يرى هؤلاء الذين قاموا بهذا العمل الدين وكيف يرون الدنيا بعين همجية وبتصرفات حمقى تسيء للدين وللإنسان وللتمدن الحضاري؟ ما هي الفائدة من الدعوة للاستغفار وأنت في الوقت ذاته تشوه المعالم الحضارية لبلدك؟
لا أعرف ماذا جرى للذوق العام ولا للبحريني الذي كان قبل أكثر من نصف قرن من أكثر الناس تحضراً ورقياً في المنطقة، فأصبح في السنوات الأخيرة بمثل هذه الروح الميتة والخالية من أي ذوق، هل هي السياسة الغبرة التي مسخت عقله؟ هل هو التدني في المستوى الثقافي والحضاري؟ المشكلة أن بعض ممن يدعون الوعي والثقافة هم من يرتكبون تلك الحماقات ثم يتحدثون عن الإصلاح، أي إصلاح هذا الذي جلب كل الموبقات والسخافات والتصرفات الهمجية؟ أي إصلاح ونحن نرى البحريني للأسف الشديد الذي كان قبل خمسين عاماً نموذجا للمواطن الصالح وقد أصبح اليوم يقطع الإشارة المرورية الحمراء، ويسير فوق الأرصفة، ويلصق النشرات فوق اللوحات الإرشادية الرسمية، ويرمي بعلب فارغة من نوافذ السيارات، أي وعي وأي تمدن هذا الذي جعل من بعض المؤذنين يطلقون الميكرفونات على مداها ولا يراعون حرمة للمرضى والأطفال، معتبرين ذلك جزءا من التدين والدعوة للتقرب من الله؟
عندما نحارب الإرهاب والتطرف والتشدد والتزمت ننسى أن هذه التصرفات الهمجية التي يمارسها المواطن في حق بلده بتشويه المنظر العام لا تختلف عن هذا الإرهاب والتطرف. إن من يحارب التطرف عليه أن يدرك أن التصرفات الحمقى والطفولية والتجاوز وكسر القوانين كلها لا تختلف عن الإرهاب، فكل هذه المظاهر تصب في النهاية في تخريب معالم الوطن وتدل على الجهل والتخلف.
من يريد لهذا الوطن التقدم والخير والسلام عليه أن ينظر للأمر من زاوية واسعة، فلا يظن بأن لصق ورقة تدل على مكان العزاء على لوحة إرشادية مرورية بأنه أمر مسموح ومقبول ولا يشكل خرقاً للذوق قبل أن يكون خرقاً للقانون، علينا ألا ننظر للأمر من زاوية المخالفات الصغيرة فعندما تتجاوز الذوق العام تعطي انطباعا بأنك تعيش في غابة وليس في وطن يحتضن أولادك وأسرتك.
وقبل أن ندعو للتدين ونستغفر الله ونظهر بأننا متدينون علينا بتربية أنفسنا وتنقيتها من الشوائب والممارسات السمجة؛ حتى نصبح مواطنين صالحين بكل معنى الكلمة التي يعرفها الإنسان الحضاري عندما نزور الدول المتقدمة والحضارية ونعجب بسلوكياتهم ونتحدث عنها في الوقت الذي بإمكاننا تنقية نفوسنا من هذه الشوائب الصارخة والدالة على التخلف الجهل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية