العدد 1574
الإثنين 04 فبراير 2013
banner
إحباط الحوار... وما تحت الطاولة محمد بوعيده
محمد بوعيده
خارج النص
الإثنين 04 فبراير 2013

اشتداد موجة العنف وتكرار التفجيرات الآن، إلى جانب المسيرات غير المرخصة التي باتت تروج لها هذه المرة الجمعيات التي كانت يسارية وجبهوية “اشكره اخبره ... والعين تره” بكل بجاحة، في ابتزاز سياسي يساعد في صلابة المواقف المقابلة، فيه استفزاز مفهومة مقاصده.
خروج شخصيات لم تعتد على التصريحات، بدأت برفع صوتها بفتاوى تحرم المشاركة في الحوار المقبل، والتي في الحقيقة تتحدث بلسان المرجع الذي كثر عليه الكلام، في حركة مفضوحة تحاول إخفاء صورة المدبر والمحرك لكل هذا الاستفزاز، في حين نجد أن خطاب ذلك المرجع يتسم “بالهدوء” في الإلقاء فقط وليس في الطرح، مع لمز وغمز يؤكدان موقفه الرافض للحوار، إلى جانب “التمحك” بالإرادة “الشعبية” المسلوبة في حقيقتها، كون “الشعب” لدى المرجع “فاقد الأهلية” لأن يتخذ قراره دون تأثير، كل ذلك مؤشرات حقيقية على أن الحوار المقبل عبارة عن أوراق تمر من تحت الطاولة.
من الواضح أن مسيرة الحوار المقبل تزداد غموضا يوما بعد يوم، إذ مع قرب انعقاد جلسات الحوار بين ممثلي الجمعيات السياسية، لا تزال الرؤية غير واضحة، بل إن البعض يراها منقوصة، خصوصا النواب الذين يرون في أنفسهم أنهم ممثلين للشعب من خلال صناديق الاقتراع، وهذه نقطة زادت الحوار غموضا، إذ أن هناك من يرى أن تلك الجمعيات السياسية ــ وبعضها مجرد دكاكين ــ لا يمثلون كل الشعب، بل يمثلون أجنداتهم الخاصة التي تدعي أنها تعمل لصالح الشعب.
في تقديري أن الحوار المقبل فقد زخمه منذ الإعلان عنه، لأسباب عدة، أهمها أن غالبية الشعب بجميع أطيافه وتوجهاته يرون أن حوار التوافق الوطني قد أدى دوره، وما الحوار هذه المرة إلا مراضاة لقوى لها مصالحها الخاصة سواء كانت تلك القوى داخلية أو خارجية، إقليمية كانت أو دولية، وهذا مبدأ يرفضه الشعب، إذ انه يرفض تعليق مصيره في مراضاة “فلان” وزعل “فلتان”، يساق سوقا وهو مسلوب الإرادة في ذلك.
السبب الثاني هو أن الشعب يساوره الشك الممزوج بالإحباط من هذا الحوار، خصوصا مع استمرار العنف المتبادل والاتهامات المتبادلة، والتأرجح بين التخوين والتطبيل، مع تواجد فئة في الوسط “يتمصلحون” من هنا وهناك، إلا أنهم ليسوا مذبذبين بين ذلك، فهم يعرفون في أي كتف يغرسون أسنانهم.
أما بالنسبة للازمة القائمة حاليا، فالخلاف الدستوري لم يعد أساسها، بل جذرها مغروس في الأزمة القانونية، فإن كانت بعض قوى “المعارضة” ترى أن الأزمة في البحرين دستورية “بامتياز” كما يقولون، فإن الناس ترى أن سبب هذه الأزمة غياب تطبيق القانون، وأعني القانون الذي لا يستثني أحدا، أو بالأحرى الرخاوة التي أصبحت ميزة من مميزات السلطة في البلاد، هذه السلطة التي باتت “تخاف” من المواجهة السياسية، والدليل على ذلك تراجع موقفها من عدم المشاركة في الحوار إلى المشاركة، فإذا كانت صاحبة الشأن لا تدرك إلى أين تذهب مع كل هذا اللين، وتصلب الأطراف الأخرى، كيف تريدون من ستطبق عليهم نتائج هذا الحوار ألا يصيبهم الإحباط؟.
أما إذا كان في المخطط تمرير بعض الأوراق من تحت الطاولة، في حسابات سياسية آنية، أو مدفوعة من خلال ضغط خارجي، فاعلموا أن الشعب أصبح متيقظا وإن كان صامتا في كثير من الأحيان، فلا تضطروه للتحرك، فهو بتحركه ذاك سيرفض الجميع، وهذا ما يحاول البعض إيصال الناس إليه، ذلك البعض الذي يعلم علم اليقين انه مرفوض أساسا، وبما أن الخاسر لا يخسر، فلا ضرر بالنسبة له إن تم رفضه بشرط أن يتم رفض كل الأطراف المقابلة أو المواجهة له، وفي تلك اللحظة سندخل في فوضى ستعد عيدا بالنسبة لأعداء الأمة، وهذا جزء من طلبهم للحكم الدخول في الحوار، إذ أن أي تنازل منه، سيدخله في دوامة الفوضى.
هذه السطور ليست دعوة للإحباط، كما لا يفرح بها الآخرون بأنها دعوة لرفض الحوار، بل إنها محاولة لتبادل الأفكار والمشاعر، إذ كيف تريدون من الشعب أن يحسم موقفه، والمتحاورون لم يحسموا موقفهم بعد، ولذا تجد أن الجو للحوار المقبل يخلو من الزخم، بل يخلو من الاهتمام العام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .