العدد 944
الإثنين 16 مايو 2011
banner
هل للشـــــرف مــــــن ثمــــن؟ غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 16 مايو 2011

يفرك مناهضو تجمع الوحدة الوطنية هذه الأيام أيديهم نشوة إثر رشح أخبار (لا نعلم صحتها) تقول بوجود انشقاقات في صفوف التجمع مما يؤذن بتصدعه وانهياره كما يشيرون. ولكن هذا التفاؤل غامض بعض الشيء، فالشكل الأساسي الذي يبدو عليه التجمع لا يزال متماسكاً، ولا يزال له حضوره، وإن لم يكن هو نفسه الحضور الطاغي في الأيام التي تلت اندلاع أزمة الدوار وما تلاها.
لن نتسرّع في استبعاد أي تغير قد يحدث للتجمع الوليد الذي بالكاد يتنفس بعدما خرج من رحم إرادة بعيدة الجذور أساسها رغبة انبثقت من شيوخ وطلاب علم شريعة سنة في “تآلف القلوب”، لينسقوا خطواتهم ويكونوا كتلة واحدة ككتلة المجلس العلمائي الشيعي، وليس في مقابلها، وبالتالي يمكنها أن ترفع مطالبها، أو تتحدث بلسان واحد، وليس من قبيل الصدفة أن تكون الجمعية الإسلامية، هي مقر اجتماعات تلك الجماعة، وليس صدفة أن يتم تقديم الدكتور الشيخ عبداللطيف آل محمود ليترأس تلك الجماعة التحضيرية، وليس صدفة أيضاً أن تخبو جذوة تلك الجماعة بعد اجتماعات قليلة لأسباب تتعلق بشكل التعاطي بين المكونات الرئيسية السنية على هيئة جمعيات دينية وتيارات متنافسة على استقطاب شارعها، والتوغل في المناطق ذات الكثافة السنية العالية، ووضع اليد على المساجد لكي تبشّر بمناهجها الفكرية، والعودة إلى مصادر الخلاف والشقاق بين هذه الاتجاهات خصوصاً مع سخونة الانتخابات البلدية والنيابية، وربما لعدم وجود الحاجة أو التحدي أو التهديد الذي يسرّع في اتخاذ خطوة إلى الأمام في شأن ربط حزمة هذه الجمعيات والاتجاهات.
ولكن الرغبة في التفرّد بالقيادة ربما، والذهاب إلى النقاء العقدي، والإيقاع السياسي لدى كلّ منها، ربما كان لها الأثر في عدم لم الشمل في تلك الفترات. فكما كانت “الوفاق” عبارة عن لمّ البيت الشيعي، كما عبّر أحد مؤسسيها، على الرغم من بعض الفوارق والاختلافات التكتيكية فيما بين غرف هذا البيت؛ فإن البيت السني آثر لسنوات ألا يكون في صعيد واحد، حتى ولو على شكل مجمّع سكني يحيطه سور، ويبقي على المنازل قائمة مستقلة.
إلا أننا اليوم أمام ظرف مختلف، ومعطيات جديدة غير تلك التي برزت أيام “ائتلاف القلوب”، فاليوم دُعي قطاع كبير من الشعب إلى مناصرة قضية محددة، وكانت لافتتها الخفيّة البادية هي الاصطفاف الطائفي في الأساس، نصرة وخشية وفرقاً من الامّحاء، أو تكراراً لتجارب حصلت في بعض دول المنطقة، ويخشون أن تعيد تكرار ذاتها في البحرين. وقف عشرات الآلاف أمام جامع الفاتح يتدربون على الهتاف الجماعي، يجرّبون شيئاً جديداً غير الاضطجاع على الأرائك في المجالس لتحليل الأوضاع، يتلفت المجتمعون بعضهم إلى بعض ليرى ما المدى الذي يمكنه فيه أن يرفع عقيرته، وهل يرفع قبضته كما تفعل باقي التجمعات الحاشدة أم لا. وكان هذا بحد ذاته كافياً للبعض لإيصال رسالة تقول “نحن هنا”، وهي الرسالة نفسها التي سبق للشيخ علي سلمان استلامها في وقت مبكر من الأحداث السالفة، إذ قال في اجتماع لفعاليات سياسية في جمعية العمل الديمقراطي (وعد) ما مفاده أن أي حراك سياسي لن يأخذ في حسبانه المكوّن السني سيكون محكوم عليه بالفشل!
المثير في المسألة اليوم أن هناك تساؤلات على مستوى الشارع “التجمعّي” نفسه يقول: وماذا بعد؟
هذا التساؤل اليوم لا يأخذ الشكل السياسي، فيطلب إجابة سياسية. تساؤل لا يريد إجابة على الخطوة التالية لما بعد ثنائية الدوار - الفاتح، فلقد غدا الفاتح وتجمعه هم النواة الصلبة، فيما لم يعد للدوار وجود على الأرض، ولا زعاماته متكاثفو الحضور ويشكلون جماعة. ولا يسأل عن الترتيبات الجديدة، ولا يطرح المطالب التي قال إنها له، بل إن هناك جمعاً من الناس المنتمين أو المتعاطفين مع “التجمّع” بدأوا يتساءلون عن الجني من وراء كل هذا الذي حدث.
فميزانية الدولة المقبلة التي مررها مجلس النواب في جلساته الأخيرة شكلت إحباطاً لدى قطاع كبير من “التجمعيين”، بأن ليس هذا ما صبروا وصابروا من أجله، إذ ليست في هذه الميزانية أي ذكر للزيادات التي قيل لهم أن يفتحوا أياديهم لتلقيها، وبدأت حملات داخلية تقدح في النواب الذين تخلوا عنهم، ونسوا تجمّعهم ونصرتهم، وأنه من دون هذه الوقفة لما عاد لمجلس النواب وجود، ولتمّ حله وتقويض صلاحياته، وإعادة انتخاباته بإعادة توزيع الدوائر، وفي المقابل لا يحصلون على مبتغاهم. حتى ان بعض النواب السابقين أخذوا يسخرون من النواب الحاليين في مواقع التواصل الاجتماعي على رخاوتهم في التعامل مع ملف الزيادات، ويعيبون عليهم تضييع الفرصة السانحة لإملاء بعض الشروط.
هذا التوجه كان يدعمه تصريح من أحد النواب الذي اقترح مكافأة الموظفين المخلصين إبّان الأزمة، وإن كان يصعب على أحد قياس الإخلاص، فليس الحضور إلى مقر العمل إخلاصاً، وليس الظاهر من الفرد إخلاصاً، ولكنه توجه يصب كذلك في صالح الجني، أو المكافأة.
وكلا الأمرين تعززا من خلال بعض الكتابات الصحافية التي أيّدت مبدأ “المكافأة”، وبالتالي أصيب الكثير بإحباط عظيم عندما وجدوا أن ليست هناك عوائد مباشرة، وفورية، وملموسة لما عموا، فبدأ شيء من التململ لا ندري إن كان سيجري استيعابه أم لا.
صحيح أن الغالبية الساحقة من جماهير “التجمع” هي من يطلق عليها سابقاً “الغالبية الصامتة” التي لم تكن تدخل مباشرة في ميدان السياسة والعمل المنظم، ولكن هناك مسؤولية عظيمة، إن صحّت أقوال المنتمين إلى “التجمع” لقولهم إن عددهم بمئات الآلاف، لوضعهم على محك العمل الوطني الذي لا مكافآت فيه ولا مردود مالي، وأن الفكرة تتقدم دائماً، وهي التي يدفع العاملون في الميدان السياسي أثماناً باهظة فيها في كل مكان في العالم، وربما يقضون حياتهم من دون أن يصلوا إلى ما يصبون إليه، وربما تنطفئ أعينهم وهم في سباقهم الرامي لإيصال هذه الفكرة، وهم الذين تشتعل رؤوسهم شيباً وهم لا يزالون على مبادئهم صامدين وتستغرب: ألا يزالون يدافعون عن نفس الأفكار؟! بل إن شطراً عظيماً منهم لا تكاد تميزه من بين أقل الأفراد شأناً لتواضع دخله، وهم الذين يرون أن الشرف في الدفاع عن الفكرة التي قد تختلف معها، ولكن ليس علينا إلا أن ننحني احتراماً وإجلالاً لهذا الموقف المبدئي.
إن هذا النفس الوطني هو ما يجب أن يسود في مكوّن كبير من مكونات الأمة، وليس من فخر أكثر من خدمة الوطن من دون انتظار ولا منة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية